Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 102-103)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثقُلَتْ وخفَّتْ هنا للحسنات . يعني : كانت حسناته كثيرة أو كانت قليلة . ويمكن أن نقول : ثقلت موازينه بالسيئات يعني : كثُرَتْ الحسنات ، لكن القرآن تكلم من ناحية أن العمدة في الأمر الحسنات . والميزان يقوم على كِفَّتين في أحدهما الموزون ، وفي الأخرى الموزون به ، وللوزن ثلاث صور عقلية : أن يخفّ الموزون ، أو يخف الموزون به ، أو يستويا ، وقد ذكرت الآية حالتين : خفت موازينه ، وثقلت موازينه ، كما جاء في قوله تعالى : { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ } [ القارعة : 6 - 11 ] . أما حالة التساوي فقد جاءت لها إشارة رمزية في سورة الأعراف : { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأعراف : 46 - 47 ] . فمَنْ غلبت حسناته ذهب إلى الجنة ، ومَنْ غلبت سيئاته ذهب إلى النار وبقي أهل الأعراف بين الجنة والنار لأنهم تساوت عندهم كِفَّتا الميزان ، فلا هو من أهل الجنة ، ولا هو من أهل النار ، فهم على الأعراف ، وهو السُّور بين الجنة والنار ينظرون إلى هؤلاء وإلى هؤلاء . ثم يقول تعالى في شأنهم : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } [ الأعراف : 46 ] لأن رحمة الله سبقتْ غضبه ، وعفوه سبق عقابه . ومعنى ثقلت موازينه وخفت موازينه يدل على أن الأعمال تصبح ولها كثافة وجِرْم يعطي ثقلاً ، أو أن الله تعالى يخلق في كل عمل له كتلة ، فحسنةُ كذا بكذا ، والمراد من الميزان دِقَّة الفَصْل والحساب . ونلحظ في الآية : { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ … } [ المؤمنون : 102 ] بالجمع ولم يقل : ميزانه ، لماذا ؟ قالوا : لأنه يمكن أن يكون لكل جهة عمل ميزان خاص ، فللصلاة ميزان ، وللمال ميزان ، وللحج ميزان … إلخ ثم تُجمع له كل هذه الموازين . وقوله : { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ … } [ المؤمنون : 103 ] لأنهم أخذوا لها القليل العاجل ، وفوَّتوا عليها الكثير الآجل ، وسارعوا إلى متعة فانية ، وتركوا متعة باقية لأن الدنيا أجلها محدود والزمن فيها مظنون ، والخير فيها على قَدْر إمكانات أهلها . أما الآخرة فزمنها مُتيقّن ، وأجلها ممدود خالد ، والخير فيها على قَدْر إمكانات المنعِم عَزَّ وجَلَّ ، فلو قارنتَ هذا بذاك لتبيّن لك مدى ما خَسِروا ، لذلك تكون النتيجة أنهم { فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } [ المؤمنون : 103 ] . ثم يعطينا الحق سبحانه صورة تُبشِّع الجزاء في جهنم ، وتُصوِّر أهوالها ، وذلك رحمة بنا لنرتدع من قريب ، ونعمل جاهدين على أن ننجي أنفسنا من هذا المصير ، وننفر من هذه العاقبة البشعة ، كما يقول الشرع بداية : سنقطع يد السارق ، فهو لا يريد أن يقطع أيدي الناس ، إنما يريد أن يمنعهم ويحذرهم هذه العاقبة . ومن ذلك قوله تعالى في مسألة القصاص : { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ … } [ البقرة : 179 ] . وقد هُوجم القِصَاص كثيراً من أعداء الإسلام ، إذ يقولون : يكفي أن قُتِل واحد من المجتمع ، فكيف نقتل الآخر ؟ والقرآن لم يضع القصاص ليقتل الاثنين ، إنما وضعه ليمنع القتل ، وليستبقي القاتل والقتيل أحياء ، فحين يعرف القاتل أنه سيُقتل قصاصاً يمتنع ويرتدع ، فإن امتنع عن القتل فقد أحيينا القاتل والقتيل ، وقد عبَّروا عن هذا المعنى فقالوا : القتل أنفى للقتل . يقول تعالى في تبشيع جهنم : { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ … } .