Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 10-10)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أُوْلَـٰئِكَ } [ المؤمنون : 10 ] يعني : أصحاب الصفات المتقدمة ، وهم ستة أصناف : الذين هم في صلاتهم خاشعون ، والذين هم عن اللغو معرضون ، والذين هم للزكاة فاعلون ، والذين هم لفروجهم حافظون ، والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ، والذين هم على صلواتهم يحافظون . هؤلاء هم الوارثون ، والإرْث : أَخْذ حق من غير عقد أو هبة لأن أَخْذ مال الغير لا بُدَّ أن يكون إما ببيع وعقد ، وإما هبة من صاحب المال . لذلك سألوا الوارث : أهذا حقك ؟ قال : نعم ، قالوا : فما صكُّك عليه ؟ يعني : أين العقد الذي أخذته به ؟ قال : عقدي وصَكّي : { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } [ النساء : 11 ] فهو عقد أوثق وأعلى من تعاقد البشر . وما دام عقدي من الحق - تبارك وتعالى - فلا تقُلْ : إن الميراث مأخوذ بغير عقد لأنه قائم على أوثق العقود ، وهو العقد من الله . وكثيراً ما يخرج الناس في مسألة الميراث عما شرع الله حُباً في المال واستئثاراً به ، أو بخلاً على مَنْ جعل له الشرع نصيباً ، فمَنْ كان عنده البنون والبنات يعطي البنين ويحرم البنات ، ومَنْ كان عنده بنات يكتب لهُنَّ ما يملك حتى يحرم إخوته وأعمامهم من حقهم في ماله ، وهذا كثيراً ما يحدث في المجتمع . ويجب عليك أن تتنبه لمسألة الميراث وتحترم شرع الله فيه وتقسيم الله للمال ، فقد وهبك الله المال وتركك تتصرف فيه طوال حياتك ، وليس لك أن تتصرف فيه أيضاً بعد موتك ، عليك أنْ تدعَ المال لصاحبه وواهبه يتصرف فيه لذلك قال الله تعالى عن الإرث : { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } [ النساء : 11 ] يعني : ليست من أحد آخر ، وما دامت فريضة من الله فعليك أنْ تمتثل لها وتنفذها ، وحين تتأبَّى عليها فإنك تتأبَّى على الله وترفض قِسْمته . والمتأمل في مسألة الإرث يجد الخير كل الخير فيما شرعه الله ، ومَنْ كان يحب البنين فليُعْط البنات حتى لا يفسد علاقة أولاده من بعده ، ويأتي إلينا بعض الرجال الذين أخذوا كل مال أبيهم وحَرَموا منه البنات ، يقولون : نريد أن نُصحِّح هذا الخطأ ونعيد القسمة على ما شرع الله . ونجد عند بعض الناس إشراقات إيمانية ، فإنْ رفض بعض الإخوة إعادة التقسيم على شرع الله يقول : أنا أتحمل ميراث أخواتي من مالي الخاص ، ومثل هؤلاء يفتح الله عليهم ويبارك لهم فيما بقي لأنهم جعلوا اعتمادهم على الله فيزيدهم من فضله ويُربي لهم القليل حتى يصير كثيراً ، أما مَنِ اعتمد على ما في يده فإن الله يكِلُه إليه . ونعجب من الذي يجعل ماله للبنات ليحرم منه إخوته ، نقول له : أنت لستَ عادلاً في هذا التصرف ، يجب أن تعاملهم بالمثل ، فلو تركت بناتك فقراء لا مال لهن ، فمَنْ يعولهُنَّ ويرعاهن من بعدك ؟ يعولهن الأعمام . إذن : لتكُنْ معاملة بالمثل . والحق - تبارك وتعالى - حين يُورث هذه الأصناف يورثهم بفضله وكرمه ، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : " لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " . أما قوله تعالى : { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ النحل : 32 ] فهذا خاص بمجرد دخول الجنة ، أما الزيادة فهي من فضل الله { وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } [ النساء : 173 ] . ومن أسمائه تعالى الوارث وقال : { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } [ الأنبياء : 89 ] فماذا يرث الحق سبحانه وتعالى مِنَّا ؟ لقد خلق الله الخَلْق ، وأعطى للناس أسباب ملكيته ، ووزَّع هذه الملكية بين عباده : هذا يملك كذا ، وهذا يملك كذا من فضل الله تعالى . فإذا كان يوم القيامة عاد الملْك كله إلى صاحبه ، وكان الحق سبحانه وتعالى هو الوارث الوحيد يوم يقول : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . والله خير الوارثين لأن الوارث يأخذ ما ورثه لينتفع هو به ، لكن الحق سبحانه يرث ما تركه للغير ليعود خَيْره عليهم ويزيدهم ، ويعطيهم أضعافاً مضاعفة ، وإذا كان يعطيهم في الدنيا بأسباب فإنه في الآخرة يرث هذه الأسباب ، ويعطيهم من فضله بلا أسباب ، حيث تعيش في الجنة مستريحاً لا تعبَ ولا نصبَ ولا سَعْيَ ، وما يخطر ببالك تجده بين يديك دون أنْ تُحرِّك ساكناً . إذن : البشر يرثون ليأخذوا ، أمّا الحق سبحانه فيرث ليعطي لذلك فهو خير الوارثين . فأيُّ شيء يرثه المؤمنون الذين توفرت فيهم هذه الصفات ؟ يجيب الحق سبحانه : { ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ … } .