Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 12-12)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سبق أن تكلمنا عن خَلْق الإنسان ، وعرفنا أن الخالق - عز وجل - خلق الإنسان الأول ، وهو آدم عليه السلام من طين ، ومن أبعاضه خلق زوجه ، ثم بالتزاوج جاء عامة البشر كما قال تعالى : { وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } [ النساء : 1 ] . ومسألة خَلْق السماء والأرض والناس مسألة احتفظ الله بها ، ولم يطلع عليها أحد ، كما قال سبحانه : { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [ الكهف : 51 ] . فلا تُصْغ إلى هؤلاء المضلين في كل زمان ومكان ، الذين يدَّعون العلم والمعرفة ، ونسمعهم يقولون : إن العالم كان كتلة واحدة تدور بسرعة فانفصل عنها أجزاء كوَّنَت الأرض … الخ وعن الإنسان يقولون : كان أصله قرداً ، إلى آخر هذه الخرافات التي لا أساس لها من الصحة . لذلك أعطانا الله تعالى المناعة الإيمانية التي تحمينا أنْ ننساق خلف هذه النظريات ، فأخبرنا سبحانه خبر هؤلاء وحذرنا منهم لأنهم ما شهدوا شيئاً من الخَلْق ، ولم يتخذهم الله أعواناً فيقولون مثل هذا الكلام . إذن : هذا أمر استأثر الله بعلمه ، فلا تأخذوا علمه إلاَّ مما أخبركم الله به . وكلمة الإنسان اسم جنس تطلق على المفرد والمثنى والجمع ، والمذكر والمؤنث ، فكل واحد منا إنسان ، بدليل أن الله تعالى استثنى من المفرد اللفظ جمعاً في قوله تعالى : { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } [ العصر : 1 - 3 ] فاستثنى من المفرد الجماعة . ومعنى { خَلَقْنَا } [ المؤمنون : 12 ] أوجدنا من عدم ، وسبق أن قلنا : إن الله تعالى أثبت للبشر صفة الخَلْق أيضاً مع الفارق بين خَلْق الله من عدم وخَلْق البشر من موجود ، وخَلْق الله فيه حركة وحياة فينمو ويتكاثر ، أما ما يخلق البشر فيجمد على حاله لا يتغير لذلك وصف الحق سبحانه ذاته فقال : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] . أما قَوْل القرآن حكايةً عن عيسى عليه السلام : { أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ … } [ آل عمران : 49 ] فهذه من خاصياته عليه السلام ، والإيجاد فيها بأمر من الله يُجريه على يد نبيه . فالمعنى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ … } [ المؤمنون : 12 ] أي : الإنسان الأول ، وهو آدم عليه السلام { مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } [ المؤمنون : 12 ] والسلالة : خلاصة الشيء تُسَلُّ منه كما يُسَلُّ السيف من غِمْده أي : الجراب الذي يُوضَع فيه ، فالسيف هو الأداة الفتاكة الفاعلة ، أما الغِمْد فهو مجرد حافظ وحامل لهذا الشيء الهام . فالسلالة - إذن - هي أجود ما في الشيء ، وقد خلق الله الإنسان الأول من أجود عناصر الطين وأنواعه ، وهي زُبْد الطين ، فلو أخذتَ قبضة من الطين وضغطتَ عليها بين أصابعك يتفلَّتْ منها الزبد ، وهو أجود ما في الطين ويبقى في قبضتك بقايا رمال وأشياء خشنة . " ولما أحب سيدنا حسان بن ثابت أنْ يهجوَ قريشاً لمعاداتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إئذن لي يا رسول الله أنْ أَهْجُوهم من على المنبر فقال صلى الله عليه وسلم : أتهجوهم وأنا منهم ؟ فقال حسان : أسلُّك منهم كما تُسَلُّ الشعرة من العجين " . وتُطلَق السلالة على الشيء الجيد فيقولون : فلان من سلالة كذا ، وفلان سليل المجد . يعني : في مقام المدح ، حتى في الخيل يحتفظون لها بسلالات معروفة أصيلة ويُسجِّلون لها شهادات ميلاد تثبت أصالة سلالتها ، ومن هنا جاءت شهرة الخيل العربية الأصيلة . وقد أثبت العلم الحديث صِدْق هذه الآية ، فبالتحليل المعمليّ التجريبي أثبتوا أن العناصر المكوِّنة للإنسان هي نفسها عناصر الطين ، وهي ستة عشر عنصراً ، تبدأ بالأكسوجين ، وتنتهي بالمنجنيز ، والمراد هنا التربة الطينية الخصْبة الصالحة للرزاعة لأن الأرض عامة بها عناصر كثيرة قالوا : مائة وثلاثة عشر عنصراً .