Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 15-15)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولك أنْ تسأل : كيف يُحدِّثنا الحق - تبارك وتعالى - عن مراحل الخَلْق ، ثم يُحدِّثنا مباشرة عن مراحل الموت والبعث ؟ نقول : جعلهما الله تعالى معاً لتستقبل الحياة وفي الذِّهْن وفي الذاكرة ما ينقض هذه الحياة ، حتى لا تتعالى ولا تغفل عن هذه النهاية ولتكُنْ على بالك ، فتُرتِّب حركة حياتك على هذا الأساس . ومن ذلك أيضاً قول الله تعالى : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً … } [ الملك : 1 - 2 ] كأنه سبحانه ينعى إلينا أنفسنا قبل أنْ يخلق فينا الحياة ، وقدَّم الموت على الحياة حتى تستقبل الحياة وتستقبل قبلها الموت الذي ينقضها فلا تغتر بالحياة ، وتعمل لما بعد الموت . وقد خاطب الحق - سبحانه وتعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] البعض يظن أن ميِّت بالتشديد يعني مَنْ مات بالفعل ، وهذا غير صحيح ، فالميِّت بتشديد الياء هو ما يؤول أمره إلى الموت ، وإنْ كان ما يزال على قيد الحياة ، فكلنا بهذا المعنى ميِّتون ، أمّا الذي مات بالفعل فهو ميْت بسكون الياء ، ومنه قول الشاعر : @ لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَراحَ بِمَيْتٍ إنما الميْتُ ميِّتُ الأحْياءِ @@ ومعنى : { بَعْدَ ذٰلِكَ } [ المؤمنون : 15 ] يعني : بعد أطوار الخَلْق التي تقدمت من خَلْق الإنسان الأول من الطين إلى أنْ قال سبحانه : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] . والمتأمل في هذه الآية وهي تُحدِّثنا عن الموت الذي لا ينكره أحد ولا يشكّ فيه أحد ، ومع ذلك أكدها الحق - تبارك وتعالى - بأداتين من أدوات التوكيد : { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ } [ المؤمنون : 15 ] فأكّدها بإنّ وباللام ، ومعلوم أننا لا نلجأ إلى التوكيد إلا حين يواجهنا منكر ، فيأتي التأكيد على قَدْر ما يواجهك من إنكار ، أما خالي الذهن فلا يحتاج إلى توكيد . تقول مثلاً لخالي الذهن الذي لا يشك في كلامك : يجتهد محمد ، فإنْ شك تؤكد له بالجملة الاسمية التي تفيد ثبوت واستقرار الصفة : محمد مجتهد ، وتزيد من تأكيد الكلام على قدر الإنكار ، فتقول : إن محمداً مجتهد ، أو إن محمداً لمجتهد ، أو والله إن محمداً لمجتهد . هذه درجات للتأكيد على حسْب حال مَنْ تخاطبه . إذن : أكّد الكلام عن الموت الذي لا يشكّ فيه أحد ، فقال : { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ } [ المؤمنون : 15 ] ومع ذلك لما تكلَّم عن البعث وهو محلّ الشك والإنكار قال سبحانه : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ … } .