Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 18-18)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى عن الماء : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } [ المؤمنون : 18 ] فهل الماء مَقرُّه السماء ؟ لا ، الماء مقرُّه الأرض ، كما جاء في قول الله تعالى : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } [ فصلت : 9 - 10 ] . لما استدعى الخالق - عز وجل - الإنسان إلى هذا الوجود جعل له في الأرض مُقوِّمات استبقاء حياته من الهواء والقوت والماء ، والإنسان كما قلنا يستطيع أن يصبر على الطعام ، وصبره أقل على الماء ، لكن لا صبرَ له على الهواء لذلك شاءت قدرة الله ألاّ يُملّكه لأحد لأنه مُقوِّم الحياة الأول ، فالغلاف الجوي والهواء المحيط بالأرض تابع لها وجزء منها داخل تحت قوله : { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } [ فصلت : 10 ] بدليل أنهم حينما يخرجون عن نطاق الأرض يمتنع الهواء . ومن حكمة الخالق - عز وجل - وقدرته أنْ جعل الماء على الأرض مالحاً لأن الملح أساس في صلاح الأشياء التي يطرأ عليها الفساد ، فالماء العذب عُرضة للتغيُّر والعطن ، وبالملح نصلح ما نخشى تغيُّره فنضعه على الطعام ليحفظه ونستخدمه في دباغة الجلود … الخ لذلك قال الشاعر : @ يَا رِجَالَ الدينِ يا مِلْحَ البَلَدِ مَنْ يُصلح الملحَ إذَا المِلْحُ فَسَد @@ إذن : أصل الماء في الأرض ، لكن ينزل من السماء بعد عملية البَخْر التي تُصفيه فينزل عَذْباً صالحاً للشرب وللري ، وقلنا : إن الخالق سبحانه جعل رقعة الماء على الأرض أكبر من رقعة اليابسة حتى تتسع رقعة البَخْر ، ويتكون المطر الذي يكفي حاجة أهل الأرض . ومن رحمة الله بنا أن ينزل الماء من السماء { بِقَدَرٍ } [ المؤمنون : 18 ] يعني : بحساب وعلى قَدْر الحاجة ، فلو نزل هكذا مرة واحدة لأصبح طوفاناً مُدمّراً ، كما حدث لقوم نوح ولأهل مأرب . وفي موضع آخر يقول سبحانه : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } [ الحجر : 21 ] . ثم يقول سبحانه : { فَأَسْكَنَّاهُ فِي ٱلأَرْضِ … } [ المؤمنون : 18 ] لأننا نأخذ حاجتنا من ماء المطر ، والباقي يتسرب في باطن الأرض ، كما قال سبحانه : { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ } [ الزمر : 21 ] ومن عجيب قدرة الله في المياه الجوفية أنها تسير في مسارب مختلفة ، بحيث لا يختلط الماء العَذْب بالماء المالح مع ما يتميز به الماء من خاصية الاستطراق ، والعاملون في مجال حفر الآبار يجدون من ذلك عجائب ، فقد يجدون الماء العَذْب بجوار المالح ، بل وفي وسط البحر لأنها ليست مستطرقة ، إنما تسير في شعيرات ينفصل بعضها عن بعض . والمياه الجوفية مخزون طبيعي من الماء نُخرجه عند الحاجة ، ويُسعِفنا إذا نَضُبَ الماء العَذْب الموجود على السطح { فَأَسْكَنَّاهُ فِي ٱلأَرْضِ . . } [ المؤمنون : 18 ] ليكون احتياطياً لحين الحاجة إليه ، فإذا جَفَّ المطر تستطيعون أن تستنبطوه . ثم يُذكِّرنا الحق سبحانه بقدرته على سَلْب هذه النعمة { وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } [ المؤمنون : 18 ] يعني : سيروا في هذه النعمة سَيْراً لا يُعرِّضها للزوال ، وقال في موضع آخر : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ } [ الملك : 30 ] . وحين تَعُدّ نِعَم الله التي أمتنّ علينا بها بداية من نعمة الماء : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } [ المؤمنون : 18 ] تجدها أيضاً سبعة . ويبدو أن لهذا العدد أسراراً في هذه السورة ، فقد ذكر من أوصاف المؤمنين سبعة ، ومن مراحل خَلْق الإنسان سبعاً ، ومن السماء والأرض سبعة ، وهنا يذكر من نعمه علينا سبعة لذلك كان للعلماء وقفات عند هذا العدد بالذات . وأذكر ونحن في المملكة السعودية وكنت أستاذاً في كلية الشريعة ومعي بعض الأساتذة ورئيس بعثتنا الشيخ زكي غيث - رحمه الله وغفر الله له - ورئيس بعثة المعارف الأستاذ صلاح بك الباقر ، وكان دائماً ما يجلس معنا شيخ علماء المملكة في هذا الوقت السيد إسحاق عزوز ، وكان يجمعنا كل ليلة الفندق الذي نقيم فيه ، وكنا نتدارس بعض قضايا العلم . وقد أثار الشيخ إبراهيم عطية قضية هذا العدد في القرآن الكريم ، وكان يقرأ في تفسير القرطبي فوجد فيه : قال عمر بن الخطاب لابن عباس : يا ابن عباس أتعرف متى ليلة القدر ؟ فقال ابن عباس : أغلب الظن أنها ليلة السابع والعشرين ، فلما سمعنا هذا الكلام قلنا : هذه سبعة ، وهذه سبع وعشرون ، فلما اختلفنا اقترح علينا الشيخ محمد أبو علي - أطال الله عمره - أن نذهب لنصلي في الحرم بدل أن نصلي في الفندق عملاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان كلما حزبه أمر يقوم إلى الصلاة ، وقلنا : ربما يفتح الله علينا في هذه المسألة . وبعد أن صلينا جلسنا نناقش هذه المسألة ، فإذا برجل لا نعرفه على سمة المجاذيب غير مهتم بنفسه ، يجلس بجوارنا ويُنصت لما نقول ، ثم شاركنا الكلام وقال : ألم يقُل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التمسوها في العشر الأواخر من رمضان " ؟ إذن : فدعكم من العشرين يوماً ، واحسبوا في العشر الأواخر ، ثم نظرنا فلم نجده ، كأن وحدة الزمن التي توجد بها ليلة القدر هي هذه العشر ، وكأنها بهذا المعنى ليلة السابع ، وهذه أيضاً من أسرار هذا العدد { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [ يوسف : 76 ] . أطال الله في عمر مَنْ بقي من هؤلاء ، وغفر الله لمن ذهب . ثم يقول الحق سبحانه : { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ … } .