Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 1-1)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما قال الحق - تبارك وتعالى - في الآية قبل السابقة من سورة الحج { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الحج : 77 ] ولعلَّ تفيد الرجاء ، أراد سبحانه أن يؤكد هنا على فلاح المؤمنين فقال : { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 1 ] وأن الرجاء من الله واقع ومؤكد ، لذلك جاء بأداة التحقيق { قَدْ } التي تفيد تحقُّق وقوع الفعل ، وهكذا تنسجم بداية سورة المؤمنون مع نهاية سورة الحج . وقوله تعالى هناك { تُفْلِحُونَ } [ الحج : 77 ] وهنا { أَفْلَحَ } [ المؤمنون : 1 ] مادة فلح مأخوذة من فلاحة الأرض ، والفَلْح هو الشق لذلك قالوا : إن الحديد بالحديد يفلح ، وشَقُّ الأرض : إهاجتها وإثارتها بالحرث ، وهذه العملية هي أساس الزرع ، ومن هنا سُمِّي الزرع حَرْثاً في قوله سبحانه : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ } [ البقرة : 204 - 205 ] . ومعنى أفلح : فاز بأقصى ما تتطلع إليه النفس من خير . والأرض حين تحرثها تكون خالية ليس فيها شيء يُهْلَك ، إذن : المراد بالحرث هنا الزرع الناتج عن عملية الحرث ، والتي لا بُدَّ منها كي تتم عملية الزراعة لأنك بالحرث تثير التربة ليتخللها الهواء ، فيزيد من خصوبتها وصلاحها لاستقبال البذرة ، وسبق أن تحدثنا عن عملية الإنبات ، وكيف تتم ، وأن النبات يتغذى على فَلْقتي البذرة إلى أن يصبح له جذر قوي يستطيع أن يمتصّ من التربة ، فإن ألقيتَ البذرة في أرض صماء غير مثارة فإن الجذر يجد صعوبة في اختراق التربة والامتصاص منها . فالحق - تبارك وتعالى - يعطينا صورة من واقعنا المشاهد ، ويستعير من فلاحة الأرض ليعبر عن فلاح المؤمن وفوزه بالنعيم المقيم في الآخرة ، فالفلاح يحرث أرضه ويسقيها ويرعاها فتعطيه الحبة بسبعمائة حبة ، وهكذا سيكون الجزاء في الآخرة : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 261 ] . فإذا كانت الأرض المخلوقة لله عز وجل تعطي كل هذا العطاء ، فما بالك بعطاء مباشر من خالقك وخالق الأرض التي تعطيك ؟ وكما أن الفلاح إذا تعب واجتهد زاد محصوله ، كذلك المؤمن كلما تعب في العبادة واجتهد زاد ثوابه وتضاعف جزاؤه في الآخرة .