Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 2-2)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كان أول ظاهرية الفلاح في الصلاة ، وما يزال الحديث عنها موصولاً بما قاله ربنا في الآيات السابقة : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } [ الحج : 77 ] وقال بعدها : { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ … } [ الحج : 78 ] . وهنا جعل أول وصف للمؤمنين الذين أفلحوا { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } [ المؤمنون : 2 ] فلم يقل مثلاً : مؤدون لأن أمر أداء الصلاة في حق المؤمنين مفروغ منه ، العبرة هنا بالهيئة والكيفية ، العبرة بالخشوع والخضوع وسكينة القلب وطمأنينته واستحضار الله الذي تقف بين يديه . كما تقول لولدك : اجلس أمام المعلم باهتمام ، واستمع إليه بإنصات ، فأنت لا توصيه بالذهاب إلى المدرسة أو حضور الدرس ، فهذا أمر مفروغ منه لذلك تهتم بجوهر الموضوع والحالة التي ينبغي أن يكون عليها . والخشوع أن يكون القلب مطمئناً ساكناً في مهمته هذه ، فلا ينشغل بشيء آخر غير الصلاة لأن الله ما جعل لرجل من قلبين في جوفه ، وما دام في حضرة ربه عز وجل فلا ينبغي أن ينشغل بسواه ، حتى إن بعض العارفين لمعنى الخشوع يقول : إن الذي يتعمد معرفة مَنْ على يمينه أو مَنْ على يساره في الصف تبطل صلاته . ولما دخل سيدنا عمر - رضي الله عنه - على رجل يصلي ويعبث بلحيته ، فضربه على يده وقال : لو خشع قلبك لخشعتْ جوارحك . ذلك لأن الجوارح تستمد طاقتها من القلب ومن الدم الذي يضخه فيها ، فلو شغل القلب عن الجوارح ما تحركت . لذلك لما سأل أحد الفقهاء صوفياً : ما حكم مَنْ سها في صلاته ؟ قال : حكمه عندنا أم عندكم ؟ قال : ألنا عند ولكم عند ؟ قال : نعم ، عند الفقهاء مَنْ يسهو في الصلاة يجبره سجود السهو ، أما عندنا فمَنْ يسهو في الصلاة نقتله . يعني مسألة كبيرة . ثم ألاَ يستحق منك ربك وخالقك أن تتفرغ له سبحانه على الأقل وقت صلاتك ، وهي خمس دقائق في كل وقت من الأوقات الخمسة ، وقد تركك باقي الوقت تفعل ما تشاء ؟ اتستكثر على ربك أن تُفرِّغ له قلبك ، وأن تستحضره سبحانه ، وهذه العملية في صالحك أنت قبل كل شيء ، في صالحك أن تكون في جلوة مع ربك تستمد منه سبحانه الطاقة والمعونة ، وتتعرض لنفحاته وإشراقاته وتقتبس من أنواره وأسراره ؟ ومن حرص أهل التقوى على سلامة الصلاة وتمامها قال أحدهم لصاحبه الذي يحرص على أنْ يؤم الناس : لماذا تحرص على الإمامة وأنت تعرف أن طالب الولاية لا يُولَّى ؟ قال : نعم أحرص عليها لأخرج من الخلاف بين الشافعي الذي قال بقراءة الفاتحة خلف الإمام ، وأبي حنيفة الذي قال بأن قراءة الإمام قراءة للمأموم ، فأحرص على الإمامة حتى أقرأ أنا ، ولا أنشغل بهذا الخلاف .