Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 23-23)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد أنْ حدَّثنا القرآن الكريم عن خَلْق الإنسان وخَلْق الحيوان ، وحدثنا عن بعض نعمه التي امتنّ بها علينا تدرج بنا إلى صناعة الفُلْك لأنه قد يسأل سائل : وكيف تكون هذه الفُلْك أي : تخلق كالإنسان والحيوان بالتوالد ، أم تنبت كالزرع ؟ فأوضح الخالق سبحانه أنها وُجدت بالوحي في قوله تعالى : { فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } [ المؤمنون : 27 ] . ومعنى { بِأَعْيُنِنَا } [ المؤمنون : 27 ] أنها صنعة دقيقة ، لم يترك فيها الحق سبحانه نبيَّه يفعل ما يشاء ، إنما تابعه ولاحظه ووجَّهه إلى كيفية صناعتها والمواد المستخدمة فيها ، كما قال سبحانه : { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } [ القمر : 13 ] وهي الحبال ، كانوا يربطون بها ألواح الخشب ، ويضمون بعضها إلى بعض ، أو المسامير تُشَدُّ بها الألواح بعضها إلى بعض . لكن ، مهما أُحكِمَتْ ألواح الخشب بعضها إلى بعض ، فلا بُدَّ أنْ يظل بينها مسامّ يتسرب منها الماء ، فكيف نتفادى ذلك في صناعة الفُلْك خاصة في مراحلها البدائية ؟ يقولون : لا بُدَّ لصانع الفُلْك أنْ يجفف الخشب جيداً قبل تصنيعه فإذا ما نزل الخشبُ الماءَ يتشرب منه ، فيزيد حجمه فيسدّ هذه المسام تماماً ، ولا يتسرب منها الماء . ومن عجائب القرآن ومعجزاته في مسألة الفُلْك قوله تعالى : { وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } [ الرحمن : 24 ] يعني : كالجبال العالية . وهذه الفُلْك لم تكُنْ موجودة وقت نزول القرآن إنما أخبر الله بها ، مما يدل على أنه تعالى الذي امتنّ علينا بهذه النعمة ، علم ما يمكن أن يتوصل إليه الإنسان من تطور في صناعة الفلك ، وأنها ستكون عالية شاهقة كالجبال . وطالما أن الكلام معنا عن الفُلْك ، فطبيعي ومن المناسب أن نذكر نوحاً عليه السلام لأنه أول من اهتدى بالوحي إليه إلى صناعة الفُلْك ، فقال سبحانه : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ … } [ المؤمنون : 23 ] لما تكلّم الحق سبحانه عما في الأنعام من نِعَم وفوائد ، لكنها تؤول كلها - بل والدنيا معها - إلى زوال ، أراد سبحانه أن يعطينا طرفاً من الحياة الباقية والنعيم الدائم الذي لا يزول فذكر منهج الله الذي أُرسِل به نوح ، وهو واحد من أولي العَزْم من الرسل . والإرسال : هو أنْ يكلِّف مُرسِل مُرْسَلاً إلى مُرْسَل إليه ، فالمكلف هو الحق سبحانه ، والمكلف بالرسالة نوح عليه السلام ، والمرسل إليهم هم قومه ، والله لا يرسل إلى قوم إلا كانوا يهمونه ، وكيف لا وهم عباده وخَلْقه ، وقد جعلهم خلفاء له في الأرض ؟ والذي خلق خَلْقاً ، أو صنع صَنْعة لا بُدَّ أنْ يضع لها قانون صيانتها ، لتؤدي مهمتها في الحياة ، وتقوم بدورها على الوجه الأكمل ، كما مثَّلنا لذلك - ولله تعالى المثل الأعلى - بصانع الثلاجة أو التلفزيون حين يضع معه كتالوجاً يحوي تعليمات التشغيل وطريقة الصيانة وكيفية إصلاح الأعطال . فالذي خلق الإنسان وجعله خليفة له في الأرض أَوْلَى بهذا القانون وأَوْلَى بصيانة خَلْقه لذلك يقول سبحانه في الحديث القدسي : " يا ابن آدم ، خلقت الأشياء كلها من أجلك ، وخلقتُك من أجلي ، فلا تشتغل بما هو لك عما أنت له " يعني : ما دام كل شيء من أجلك يعمل لك ويُؤدِّي مهمته ، فعليك أيضاً أن تؤدي مهمتك التي خلقتُك من أجلها . لذلك وضع لك ربُّك قانون صيانتك بافعل كذا ولا تفعل كذا ، فعليك أن تلتزم الأمر فتؤديه فهو سِرُّ الجمال في الكون ، وسِرُّ السعادة والتوافق في حركة الحياة ، وعليك أن تجتنب النهي فلا تقربه لأنه سيؤدي إلى قُبْح ، وسيكشف عورة من عورات المجتمع ، أما الأمور التي سكت عنها فأنت حُرٌّ فيها تفعل أو لا تفعل لأن ذلك لا يأتي بقبيح في المجتمع ، وهذه المسائل تُسمَّى المباحات ، وقد تركها الله لحريتك واختيارك . والحق - تبارك وتعالى - لما استدعى الإنسان إلى هذا الكون خلق له مقومات حياته من مُقوِّمات استبقاء الحياة من طعام وشراب وهواء واستبقاء النوع بالتناسل ، وقد شمل قانون الصيانة كل هذه المقومات ، فنظمها وحدد ما يحل وما يحرم . فقال : كُلْ هذه ولا تأكل هذه ، واشرب هذا ولا تشرب ذاك ، ولو شاهدنا المخترعين في مسائل المادة نجد الصانع يحدد مقومات صنعته ، فمثلاً هذا الجهاز يعمل على 110 فولت ، وهذا يعمل 220 فولت ، وهذه الآلة تعمل بالبنزين ، وهذه بالسولار ، فلو غيَّرت في هذه المقومات تفسد الآلة ولا تؤدي مهمتها . كذلك - ولله المثل الأعلى - عليك أن تلتزم بقانون ومنهج خالقك عز وجل ، ولا تَحِدْ عنه ، وإلا فسد حالك وعجزتَ عن أداء مهمتك في الحياة . فإن أردنا أن تستقيم لنا الخلافة التي خلقنا الله لها وهي خلافة مُصلحة لا مُفسدة ، فعلينا بقانون الصيانة الذي وضعه لنا خالقنا عز وجل . لذلك ، إنْ رأيت في المجتمع عورة ظاهرة في أي ناحية من نواحي الحياة فاعلم أنها نتيجة طبيعية للخروج عن منهج الله ، وتعطيل حكم من أحكامه ، فمثلاً حين ترى الفقراء والجوْعى والمحاويج فاعلم أن في الأمر تعطيلاً لحكم من أحكام الله ، فهم إما كسالى لا يحاولون السَّعْي في مناكب الأرض ، وإما غير قادرين حرمهم القادرون واستأثروا بالثروة دونهم . البعض يقول : إذا كان الحق سبحانه قد حرَّم علينا بعض الأشياء ، فلماذا خلقها ؟ ويُمثِّلون لذلك بالخنزير مثلاً وبالخمر . وخطأ هؤلاء أنهم يظنون أن كل شيء خُلِق ليُؤكل ، وهذا غير صحيح لأن الله تعالى خلق هذه الأشياء لمهمة تؤديها في الحياة ، وليس بالضرورة أنْ تُؤكل ، فالخنزير خلقه الله لينظف البيئة من القاذورات ، لذلك لا تراه يأكل غيرها . أما الخمر فلم تُخلق خمراً ، إنما هي ثمرة العنب الحلوة التي تؤكل طازجة ، أخذها الإنسان وتدخّل في هذه الطبيعة وأفسدها بتخميره ، فصار الحلال بذلك محرماً . نعود إلى قول الله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ … } [ المؤمنون : 23 ] القوم : هم الرجال ، خاصة من المجتمع ، وليس الرجال والنساء ، بدليل قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ … } [ الحجرات : 11 ] فالنساء في مقابل القوم أي : الرجال . ومن ذلك قول الشاعر : @ وَمَا أََدْرِي وسَوْفَ أَخَالُ أَدْرِي أَقَوْمٌ آلُ حِصنٍ أَمْ نِسَاءُ @@ لكْن هل أُرسِل نوح عليه السلام إلى الرجال دون النساء ؟ أُرسِل نوح إلى الجميع ، لكن ذُكِر القوم لأنهم هم الذين سيحملون معه أمر الدعوة ويسيحون بها ، ويُبلّغونها لمن لهم ولاية عليهم من النساء ، والرجال مَنُوط بهم القيام بمهام الأمور في عمارة الكون وصلاحه . والإضافة في { قَوْمِهِ … } [ المؤمنون : 23 ] بمعنى اللام يعني : قوم له لأن الإضافة تأتي بمعنى من مثل : أردب قمح يعني من قمح ، وبمعنى في مثل : مكر الليل يعني في الليل ، وبمعنى اللام مثل : قلم زيد يعني لزيد . فالمعنى هنا : قوم له لأنه منهم ومأمون عليهم ومعروف لهم سيرته الأولى ، فإذا قال لهم لا يتهمونه ، إذن : فمن رحمة الله بالخَلْق أن يرسل إليهم واحداً منهم ، كما قال سبحانه : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ … } [ التوبة : 128 ] ففي هذا إيناس وإلْفٌ للقوم على خلاف ما إنْ كان الرسول مَلَكَاً مثلاً ، فإن القوم يستوحشونه ولا يأنسون إليه . لذلك ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يُسمَّى بين قومه وقبل بعثته بالصادق الأمين لأنه معروف لهم ماضيه وسيرته ومُقوِّمات حياته تُشجِّع على أنْ يُصدِّقوه فيما جاء به ، وكيف يصدقونه في أمر الدنيا ، ولا يُصدقونه في البلاغ عن الله ؟ إذن : { إِلَىٰ قَوْمِهِ } [ المؤمنون : 23 ] أننا لم نأْتِ لكم برسول من جنس آخر ، ولا من قبيلة أخرى ، بل منكم ، وتعرفون ماضيه وتاريخه ، فتأنسون بما يجيء به ، ولا تقفون منه موقف العداء . أو يكون المعنى : إلى قوم منه لأنهم لا يكونون قوماً قوّامين على شئون إصلاح الحياة ، إلا إذا استمعوا منهجه ، فهم منه لأنهم سيأخذون منه منهج الله . ثم يقول سبحانه : { فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ … } [ المؤمنون : 23 ] يا قوم استمالة وتحنين لهم { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ … } [ المؤمنون : 23 ] والعبادة طاعة عابد لأمر معبود ، والعبادة تقتضي تكليفاً بأمر ونهي . فالألوهية تكليف وعبادة ، أما الربوبية فعطاء وتربية لذلك قال سبحانه { هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ هود : 34 ] أي : ربكم جميعاً : ربّ المؤمن ، وربّ الكافر ، ربّ الطائع ، ورب العاصي . وكما قلنا : الشمس والقمر والأرض والمطر … الخ كلها تخدم الجميع ، لا فرْقَ بين مؤمن وكافر لأن ذلك عطاء الربوبية ، وإنْ سألت الكافر الجاحد : من خلقك ؟ من رزقك ؟ فلن يملك إلا أن يقول : الله ، إذن : فليخْزَ هؤلاء على أعراضهم ، وليعلموا أنه تعالى وحده المستحق للطاعة وللعبادة . فمقتضيات الربوبية والإيمان بها تقتضي أن نؤمن بالألوهية . كما أن الطفل الصغير ينشأ بين أبيه وأمه ويشبّ ، فلا يجد غيرهما يخدمه ويقضي حاجته ويُوفِّر متطلباته ، بل ويزيل عنه الأذى ويسهر على راحته . كل ذلك بروح سعيدة ونفس راضية مطمئنة ، ربما يجوعان لتشبع ، ويعريان لتكسى ، ويحرمان نفسيهما ليوفرا لك الحياة الكريمة ، فإذا ما كبر الصغير وبلغ الحُلُم ومبلغ الرجال نجده يعقُّهما ، ويخرج عن طاعتهما ، ويأخذه من أحضانهما أصدقاء السوء ، ويُزيّنون له التمرد على أبيه وأمه . ونقول لمثل هذا العاق : اخْزَ على عِرْضك واسْتَحِ ، فليس هكذا يكون رد الجميل ، وأين كان هؤلاء الأصدقاء يوم أنْ كنتَ صغيراً تحتاج إلى من يعولك ويميط عنك الأذى ، ويسهر على راحتك ؟ قد كان ينبغي عليك ألاَّ تسمع إلا لمن أحسن إليك . وهذا مثال لتوحيد الألوهية وتوحيد الربوبية - ولله المثل الأعلى - فكيف تأخذ من ربك عطاء الربوبية ، ثم تتمرد عليه سبحانه في الألوهية ، فتعصي أمره وتكفر بنعمه ؟ كان من الواجب عليك الوفاء للنعمة . ولا بد أن تعلم أن ربك - عز وجل - مأمون عليك في التكليف بالأمر والنهي ، لأنك عبده وصنعته ، وأنك حين تُؤدِّي ما عليك تجاه الألوهية لا ينتفع الله سبحانه من ذلك بشيء ، إنما تعود منفعتها عليك ، وهكذا إذا ما رددت أمور الطاعة والعبادة والتكاليف لوجدتها تعود في النهاية أيضاً إلى عطاء الربوبية لأنها تعود عليك أنت بالنفع . فنحن نأخذ الأوامر والنواهي على أنها تكاليف وأعباء يقتضيها الإيمان بالألوهية ، نقول : نعم هي تكاليف من الله لكن لصالحك ، فلو أنصفتَ لوجدتَ الألوهية من الربوبية ، فحين يُحرِّم مثلاً عليك شرب الخمر ويحميك من فساد العقل ، هل ينتفع سبحانه من ذلك بشيء ؟ لذلك يقول تعالى عن هؤلاء : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ … } [ لقمان : 25 ] . ويقول : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ … } [ الزخرف : 87 ] . فما دام هو سبحانه خالقكم ورازقكم وخالق السماوات والأرض ، فلماذا تعصونه ؟ وهل نقص عصيانكم من مُلْكه شيئاً ؟ وهل زاد في مُلْكه شيء بطاعة مَنْ أطاع ؟ هل زاد في مُلْك الله بطاعة الطائعين أرض أو سماء ، أو شمس أو قمر ؟ إن الحق سبحانه قبل أن يخلقكم خلق لكم بصفات الكمال فيه كل مُقوِّمات حياتكم واستدعاكم إلى كون مُعَدٍّ لاستقبالكم ولمعيشتكم . إذن : فربُّكَ - عز وجل - لا تنفعه طاعة ، ولا تضره معصية . لذلك يقول في الحديث القدسي : " يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً ، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم وشاهدكم وغائبكم اجتمعوا في صعيد واحد ، وسألني كل واحد مسألته فأعطيتها له ما نقص ذلك مما عندي إلا كمغرز إبرة أحدكم إذا غمسه في البحر ، وذلك أنِّي جواد واجد ماجد ، عطائي كلام ، وعذابي كلام ، إنما أمري لشيء إذا أردتُه أن أقول له : كن فيكون " . إذن : حين تطيعني فالخير لك لأنك ضمنتَ بهذه الطاعة حياة أخرى خالدة باقية بعد هذه الحياة الفانية التي مهما أترفت فيها فهي إلى زوال ، فإما أنْ تفوت نعيمها بالموت ، وإما أنْ يفوتك بالحاجة والفقر ، أما في الآخرة فالنعيم دائم بَاقٍ لا يفوتك ولا تفوته لأنها نعمة لا مقطوعة ولا ممنوعة . لذلك قال سبحانه : { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 64 ] فكأن عطاء الألوهية ربوبية متعدية إلى زمن آخر غير زمن الدنيا ، فلا تظن أن طاعتك ستفيدني في شيء ، أو أن معصيتك ستضرني بشيء ، ومن هنا قال تعالى : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ النحل : 118 ] . وقوله تعالى : { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [ المؤمنون : 23 ] أي : معبود غيره { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } [ المؤمنون : 23 ] هذا استفهام يحمل معنى التهديد والتوبيخ ، لكن كيف يُوبِّخهم وهو لم يَزَلْ في مرحلة الأمر بعبادة الله ، ولم يسمع منهم بعد بوادر الطاعة أو العصيان ؟ قالوا : يبدو أنه رأى منهم إعراضاً فأمرهم بتقوى الله . والتقوى معناها أنْ تجعل بينك وبين ربك وقاية تقيك صفات جبروته وقَهْره وتحميك من أسباب بَطْشه وانتقامه ، فلست مطيقاً لهذه الصفات . والوقاية التي تجعلها بينك وبين هذه الصفات هي أن تنفذ منهج الله بطاعة الأوامر واجتناب النواهي . ومن عجيب تركيبات التقوى في القرآن الكريم أنْ يقول سبحانه : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } [ البقرة : 194 ] ويقول : { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ … } [ البقرة : 24 ] قالوا : نعم اتق الله ، واتق النار لأنك تتقي الله من متعلقات صفات قهره وغضبه ومنها النار ، فحين تتقي الله بالمنهج فقد اتقيْتَ النار أيضاً . ثم يقول سبحانه : { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ … } .