Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 33-33)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تكلمنا عن معنى { ٱلْمَلأُ … } [ المؤمنون : 33 ] وهم عَيْن الأعيان وأصحاب السلطة والنفوذ في القوم ، والذين يضايقهم المنهج الإيماني ، ويقضي على مكانتهم ، ويقف في وجه طغيانهم وسيطرتهم واستضعافهم للخلق . { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } [ المؤمنون : 33 ] تماماً كما حدث مع سابقيهم من قوم نوح { وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا … } [ المؤمنون : 33 ] مادة : ترف مثل فرح ، نقول : ترف الرجل يترف إذا تنعّم ، فإذا زِدْتَ عليها الهمزة أترف نقول : أترفته النعمة ، أترفه الله ، يعني : كانت النعمة سبب طغيان ، ووسَّع الله عليه في النعمة ليتسع في الطغيان . وفي هذا المعنى ورد قوله تعالى : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ … } [ الأنعام : 44 ] يعني من منهج الحق { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } [ الأنعام : 44 ] . ذلك ، ليكون الأَخْذ أقوى وأعنف وأبلغ في الإيلام والحسرة ، وسبق أن ذكرنا تشبيهاً أضحك الحاضرين كثيراً ، ولله تعالى - المثل الأعلى - ، قلنا : إن الله تعالى إذا أراد أنْ يُوقع معانداً لا يُوقعه من فوق الحصيرة ، إنما يوقعه من فوق كرسي عالٍ ومكانة رفيعة ، ليكون الهُدْر أقوى وأشدّ . فإن أخذ الإنسان العادي الذي لا يملك ما يتحسرعليه من مال أو جاه أو منصب ، فالأمر هيِّن ، أمّا حين يُرقِّيه ويُعِلي منزلته ويُترِفه في النعيم ، ثم يأخذه على هذه الحال فلا شكَّ أنه أخْذ عزيز مقتدر ، وهذا أشدُّ وأنكَى . إذن : أترفناهم يعني : وسَّعنا عليهم وأمددناهم بالنعم المختلفة ليزدادوا في كفرهم وطغيانهم ، على حَدِّ قوله تعالى : { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } [ المؤمنون : 54 - 56 ] . إن الله تعالى يمدُّ لهؤلاء في وسائل الغيّ والانحراف ليزدادوا منها ، ويتعمقوا في آثامها لنتعمق نحن في عذابهم والانتقام منهم . ثم يحكي القرآن عنهم هذه المقولة التي سارت على ألسنتهم جميعاً في كل الرسالات : { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ … } [ المؤمنون : 33 ] وكأن هذه الكلمة أصبحتْ لازمة من لوازم المكذِّبين للرسل المعاندين لمنهج الله ، ثم يؤكدون على بشرية الرسول فيقولون : { يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } [ المؤمنون : 33 ] ألم يقُل كفار مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ … } [ الفرقان : 7 ] . سبحان الله ، كأنهم يتكلمون بلسان واحد مع اختلاف الأمم وتباعد الأزمان ، لكن كما يقولون : الكفر ملة واحدة .