Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 38-38)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني : الرجل الذي أخبركم بمسألة البعث { ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً … } [ المؤمنون : 38 ] وعجيب منهم هذا القول ، فهم يعرفون الله ويعترفون { ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ … } [ المؤمنون : 38 ] فكيف يكون إلهاً دون أنْ يُبلغكم رسالة على لسان رسوله ؟ وإلاَّ ، فكيف ستعرفون منهج الله ؟ قالوا : بالعقل ، لكن العقل في هذه المسألة لا يصح . وسبق أنْ مثَّلنا لذلك - ولله المثل الأعلى : هَبْ أننا نجلس في حجرة مغلقة ودَقَّ جرس الباب ، لا شكَّ أننا سنتفق جميعاً على أن طارقاً بالباب ، وهذا يسمى " تعقل " ، لكنا سنختلف في التصوُّر : أهو رجل ؟ أم امرأة ؟ أم طفل ، أهو بشير أم نذير ؟ … الخ . إذن : نتفق حين نقف عند التعقُّل ، لكن كيف نعرف مَنْ بالباب ؟ نجعله هو يخبر عن نفسه حين نقول : مَنِ الطارق ؟ يقول : أنا فلان ، وجئتُ لكذا وكذا . فمَنِ الذي يبلغ عن التعقل ؟ صاحبه . وكذلك عقلك يؤمن بأن الكون له خالق واجد تدلُّ عليه آيات الكون ، فأنتَ لو نظرتَ إلى لمبة الكهرباء هذه التي تنير غرفة واحدة ، وتأملتَ لوجدتَ وراءها مصانع وعدداً وآلاتٍ وعمالاً ومهندسين ومخترعين ، ومع ذلك لها قدرة محدودة ، ولهّا عمر افتراضي وربما كسرت لأيِّ سبب وطفئتْ . أفلا تنظر كذلك إلى الشمس وتتأمل ما فيها من آيات وعجائب ، وكيف أنها تنير نصف الكرة الأرضية في وقت واحد دون أنْ تتعطلَ ودون أنْ تحتاج إلى صيانة أو قطعة غيار ، ومع ذلك لم يدَّعها أحد لنفسه ، أفلاَ يدل ذلك على أن وراء هذا الخَلْق العظيم خالقاً أعظم ؟ إذا كنا نُؤرِّخ لمكتشف الكهرباء ومخترع المصباح الكهربائي ، ونذكر ماذا صنع ؟ وكيف توصّل إلى ما توصّل إليه ، أليس يجدر بنا أنْ نبحث في خالق هذا الكون العجيب ؟ إنك لو حاولتَ أنْ تنظر إلى قرص الشمس أثناء النهار ، فإنَّ نظرك يكلُّ ولا تستطيع ، وإذا اشتدت حرارتها لا يطيقها أحد ، مع أن بينك وبين الشمس ثماني دقائق ضوئية ، كل ثانية فيها ثلاثمائة ألف كيلومتر ، فأيّ طاقة هذه التي تنبعث من الشمس ؟ ومن عجائبها أيضاً أنك تشعر بحرارتها على الأرض المنبسطة فإذا ما ارتفعت فوق جبل مثلاً أو منطقة عالية تقلّ درجة الحرارة مع أنك تقترب من الشمس ، على خلاف ما لو أوقدتَ ناراً مثلاً فتجد أن حرارتها تنخفض كلما ابتعدت عنها ، أما الشمس فكلما اقتربت منها قلَّتْ درجة الحرارة ، فمَنْ يقدر على هذه الظاهرة ؟ فإذا جاء مَنْ يخبرني أنه خالق هذه الشمس أقول له : إذن هي لك ، إلى أن يأتي منازع يدَّعيها لنفسه ، ولم يأت منازع يدَّعيها إلى الآن . وقولهم : { ٱفتَرَى … } [ المؤمنون : 38 ] مبالغة منهم في حقِّ رسولهم لأن الافتراء : تعمُّد الكذب ، والكذب كما قلنا : أن يأتي الكلام مخالفاً للواقع ، وقد يأتي الكلام مخالفاً للواقع لكن حسب علم صاحبه ، فهو في ذاته صادق .