Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 39-39)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سبحان الله ، كأن تاريخ الرسالات يعيد نفسه مع المكذِّبين ، وكأنه أكلشيه ثابت على ألسنة الرسل : اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ، فيتهمونه ويُكذِّبونه ويقولون : ما أنت إلا بشر مثلنا ، فتأتي النهاية واحدة : ربِّ انصرني بما كذَّبون ، يعني : أبدلني بتكذيبهم نَصْراً . هذه قَوْلة هود - عليه السلام - حين كذَّبه قومه ، وقوْلة نوح ، وقوْلة كل نبي كذَّبه القوم لأن الرسول حين يُكذَّب من الرسل إليهم لا يفزع إلا إلى مَنْ أرسله لأن مَنْ أرسله وعده بالنصرة والتأييد : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] . وقال : { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ … } [ الحج : 40 ] . وقال سبحانه : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } [ الصافات : 171 - 172 ] . فالمعنى : انصرني لأنك أرسلتني ، وقد كذَّبني القوم بعد أن استنفدتُ في دعوتهم كل أسبابي ، ولم يَعُدْ لي بهم طاقة ، ولم يَعُد لي إلا معونتك . والإنسان حين يستنفد كل الأسباب التي منحه الله إياها دون أن يصل إلى غايته فقد أصبح مضطراً داخلاً في قوله سبحانه : { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ … } [ النمل : 62 ] . إذن : لا تلجأ إلى الله إلا بعد أنْ تؤدي ما عليك أولاً ، وتفرغ كل ما في طاقتك في سبيل غايتك ، لكن لا تقعد عن الأسباب وتقول : يا رب فالأرض أمامك والفأس في يدك ومعك عافية وقدرة ، فاعمل واستنفد أسبابك أولاً حتى تكون في جانب المضطر الذي يُجيب الله دعاءه . لذلك نسمع كثيراً مَنْ يقول : دعوتُ الله ولم يستجب لي ، ونقول له : أنت لم تَدْعُ بدعاء المضطر ، أنت تدعو بدعاء مَنْ في يده الأسباب ولكنه تكاسل عنها لذلك لا يُستجاب لك . وهذه نراها حتى مع البشر ، ولله تعالى المثل الأعلى : هَبْ أنك صاحب مال وتجارة وجاءتك بضاعة من الجمرك مثلاً ، وجلست تراقب العمال وهم يُدخِلونها المخازن ، فليس من مهامك الحمل والتخزين فهذه مهمة العمال ، لكن هَبْ أنك وجدت عاملاً ثقُلَ عليه حِمْله وكاد الصندوق أن يوقعه على الأرض ، ماذا يكون موقفك ؟ لا شكَّ أنك ستفزع إليه وتأخذ بيده وتساعده لأنه فعل كل ما في وُسْعه ، واستفرغ كل أسبابه وقواه ، فلم تضِنّ أنت عليه بالعون . كذلك ربك - عز وجل - يريد منك أن تؤدي ما عليك ولا تدعه لشيء قد جعل لك فيه أسباباً لأن الأسباب يد الله الممدودة لخَلْقه ، فلا ترد يد الله بالأسباب لتطلب الذات بلا أسباب . لذلك جاء قول الرسل الذين كُذبوا : { رَبِّ ٱنْصُرْنِي … } [ المؤمنون : 39 ] ليس وأنا قاعد متخاذل متهاون ، ولكن { بِمَا كَذَّبُونِ } [ المؤمنون : 39 ] يعني : فعلت كل مَا في وُسْعي ، ولم يَعُدْ لي بهم طاقة . فتأتي الإجابة على وجه السرعة : { قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ … } .