Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 41-41)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ما دام أن الحق - تبارك وتعالى - توعّدهم وحدَّد لهم موعداً ، فلا بُدَّ أن يقع بهم هذا الوعيد في الوقت ذاته ، وإلاَّ لو مَرَّ دون أن يصيبهم ما يندمون لأجله لانهدم المبدأ من أساسه ، ما دام أن الله تعالى قالها وسجَّلها على نفسه سبحانه في قرآن يحفظه هو . { عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } [ المؤمنون : 40 ] فلا بُدَّ أن ينزل بهم العذاب في الصباح . لذلك { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ … } [ المؤمنون : 41 ] لا بالظلم والعدوان ، وفي موضع آخر قال سبحانه عنهم : { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } [ الحاقة : 6 ] والمعنيان يلتقيان ، لأن الريح الصرصر لها صوت مزمجر كأنه الصيحة والصراخ . { فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً … } [ المؤمنون : 41 ] الغثاء : ما يحمله السيل من قش وأوراق وبقايا النبات ، فتكون طبقة طافية على وجه الماء تذهب بها الريح في إحدى الجوانب ، والغثاء هو الزَّبَد الذي قال الحق سبحانه وتعالى عنه : { فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ … } [ الرعد : 17 ] . وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " يوشك أن تتداعَى عليكم الأمم كما تتداعَى الأكلة إلى قصعتها - يعني : يدعو بعضهم بعضاً لمحاربتكم كأنكم غنيمة يريدون اقتسامها - فقالوا : أمِنْ قِلَّة نحن يا رسول الله ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل " يعني : شيئاً هيِّناً لا قيمةَ له يذهب سريعاً . وقوله تعالى : { فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ المؤمنون : 41 ] أي : بُعداً لهم عن رحمتنا ونعيمنا الذي كُنَّا نُمنِّيهم به ونَعِدهم به لو آمنوا ، وليس البُعد عن العذاب لأن البعد مسافة زمنية أو مكانية ، نقول : هذا بعيد ، أي : زمنه أو مكانه ، المراد هنا البُعْد عن النعيم الذي كان ينتظرهم إنْ آمنوا . والظلم : كما قلنا أخذْ حَقِّ الغير ، والشرك هو الظلم الأعظم لأنه ظلم في مسألة القمة ، والبعض من السطحيين يظن أن الشرك ظلم عظيم لأنك ظلمتَ الله سبحانه وتعالى ، لأنك أنكرتَ وجوده وهو موجود ، وأشركتَ معه غيره وهو واحد لا شريك له ، نعم أنت ظلمتَ ، لكن ما ظلمتَ الله لأنه سبحانه لا يظلمه أحد ، وإنْ كان الظلم - كما نقول - أَخْذ حَقِّ الغير ، فحقُّ الله محفوظ وثابت له سبحانه قبل أن يُوجَد مَنْ يعترف له بهذا الحق ، حقُّ الله ثابت مهما علاَ الباطل وتبجَّح أهل الضلال . لذلك يقول عز وجل : { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ … } [ التوبة : 40 ] وفي المقابل : { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا … } [ التوبة : 40 ] ولم يقُل قياساً على الأولى : وكلمةَ الله العليا لأن معنى ذلك أن كلمة الله لم تكُنْ عليا في يوم ما لذلك جاءت وكلمةُ الله مرفوعةً على صورة الجملة الاسمية الدالّة على الثبوت { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا … } [ التوبة : 40 ] أي : دائماً ومهما عَلَتِ كلمة الكافرين . لماذا ؟ قالوا : لأن عُلُو كلمة الكافرين في ذَاته عُلُوٌّ لكلمة الله ، فإذا علا الكفر واستشرى شرُّه وفساده يعض الناس ويُوقِظ غفلتهم ويُنبههم إلى خِسَّة الكفر ودناءته وما جرّه عليهم من ظلم وفساد فينكروه ويعودوا إلى جادة الطريق ، وإلى الحق الثابت لله عز وجل . إذن : فكلمة الله هي العليا مهما كانت الجولة لكلمة الذين كفروا ، وكما يقولون : والضد يُظهر حُسْنه الضدّ . والله عز وجل لا يُسْلِم الحق ، ولكن يتركه ليبلو غَيْره الناس عليه ، فإنْ لم يغاروا عليه غار هو عليه . وما داموا ما ظلموا الله ، ولا يستطيعون ذلك ، فما ظلموا إلا أنفسهم ، وإنْ عُقل ظلمك لغيرك وأخذك لحقه فلا يُعقَل ظلمك لنفسك لأنه أبشع أنواع الظلم وأبلغها .