Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 40-40)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ عَمَّا قَلِيلٍ … } [ المؤمنون : 40 ] يعني : بعد قليل ، فــ عن هنا بمعنى بعد ، كما جاء في قوله تعالى : { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } [ الانشقاق : 19 ] يعني : بعد طبق . أما { مَّا … } [ المؤمنون : 40 ] هنا فقد دلَّتْ على الظرف الزمني لأن المراد بعد قليل من الزمن . { لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } [ المؤمنون : 40 ] حين يقع بهم ما كانوا به يُكذِّبون ، ويحلّ عليهم العذاب يندمون ، لأنهم لن يستطيعوا تدارك ما فاتهم ، فليس أمامهم إذن إلا الندم ، وهذه المسألة دلَّتْ على أن الفطرة الإنسانية حين لا تختلط عليها الأهواء تنتهي في ذاتها إلى الحق ، وإنْ أخرجها الغضب إلى الباطل ، فإنها تعود إلى توازنها وإلى الجادة حين تهدأ ثورة الغضب . والحق - تبارك وتعالى - يعطينا أدلةً وإشارات حول هذه القضية في قصة ولدي آدم عليه السلام فيقول : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [ المائدة : 27 ] . إلى أنْ قال سبحانه : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ … } [ المائدة : 30 ] فجاء القتل أثراً من آثار الغضب ، والمفروض أنه بعد أن قتله شفى نفسه ، وينبغي له أن يُسَرَّ لأنه حقق ما يريد ، لكن { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ } [ المائدة : 31 ] . أي : بعد أن هدأتْ ثورة الغضب بداخله ندم على ما فعل ، لماذا ؟ لأن هذه طبيعة النفس البشرية التي لا يُطغيها ولا يُخرجها عن توازنها إلا الهوى ، فإنْ خرج الهوى عادت إلى الاستقامة وإلى الحق ، وكأن الله تعالى خلق في الإنسان مقاييس يجب ألاَّ تُفسدها الأهواء ولا يُخرِجها الغضب عن حَدِّ الاعتدال ، لذلك يقولون : آفة الرأي الهوى . لقد استيقظ قابيل ، لكن بعد أنْ رأى عاقبة السوء التي وصل إليها بتسرُّعه ، لكن الذكي يستيقظ قبل رَدِّ الفعل . لكن ، لماذا اختار لهم وقت الصباح بالذات : { لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } [ المؤمنون : 40 ] المتتبع لما حاق بالأمم المكذِّبة من العذاب والانتقام يجد أنه غالباً ما يكون في الصباح ، كما قال تعالى : { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ } [ الصافات : 176 - 177 ] . وقال سبحانه : { وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ } [ القمر : 38 ] . وقال سبحانه : { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } [ القلم : 21 ] . ذلك ، لأن الصباح يعقب فترة النوم والخمول الحركي ، فيقومون من نومهم فيفاجئهم العذاب ، ويأخذهم على حين غفلة وعدم استعداد للمواجهة ، على خلاف إنْ جاءهم العذاب أثناء النهار وهم مستعدون . وندمهم على أنهم كذَّبوا أمراً ما كان ينبغي أن يُكذَّب وقد جَرَّ عليهم الوَيْلات ، والندم على خير فات من طبيعة النفس البشرية التي عادةً ما تغلبها الشهوة ويُغريها الحمق بردِّ الحق ، ويمنعها الكِبْر من الانصياع للرسول خاصة وهو بشر مثلهم ، ويريد في ظنهم أنْ يستعلي عليهم ، لكن حين يواجهون عاقبة هذا التكذيب ونتيجة هذا الحمق يندمون ، ولاتَ ساعة مَنْدم . إذن : فشهوة النفس تجعل الإنسان يقف موقفاً ، إذا ما جُوزي عليه بالشدة يندم أنه لم يُنفذ ولم يطع ، يندم على غطرسته في موقف كان ينبَغي عليه أنْ يتنازل عن كبريائه لذلك يقولون : من الشجاعة أنْ تجبن ساعة . ويحسن ذلك إذا كنت أمام عدو لا تقدر على مجابهته ، ونذكر للرئيس الراحل السادات مثل هذا الموقف حين قال : لا أستطيع أن أحارب أمريكا ، فالبعض فهم هذا القول على أنه ضَعْف وجُبْن ، وهو ليس كذلك ، إنما هو شجاعة من الرجل ، شجاعة من نوع راقٍ لأن من الشجاعة أيضاً أن تشجع على نفسك ، وهذه شجاعة أعلى من الشجاعة على عدوك ، وتصور لو دخل السادات مثل هذه الحرب فهُزِم كيف سيكون ندمه على شجاعة متهورة لا تحسب العواقب . وقد رأينا عاقبة الجرأة على دخول حرب غير متكافئة . ثم يقول الحق سبحانه : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً … } .