Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 43-43)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تأملوا هذه الآية جيداً وارْعَوْها انتباهكم ، فلكل أمة أجلٌ تنتهي عنده تماماً ، مثل أجَل الأفراد الذي لا يتقدّم ولا يتأخّر ، فقرْن بعد قَرْن ، وأمة بعد أمة ، تمرُّ بأطوار شتى كأطوار حياة الإنسان ، ثم تنتهي إلى زوال ويعقبها غيرها . فلكل أمة رسول يحمل إليها دعوة الله ومنهجه ويجاهد في سبيل نشرها إلى أنْ ينصره الله وتنتشر دعوته ويتمسَّك الناس بها ، ثم تصيبهم غفلة وفتور عن منهج الله ، فينصرفون عنه ويختلفون ويتفرقون ، فيكون ذلك إيذاناً بزوالها ثم يخلفها غيرها ؟ كذلك في مسألة الحضارات التي تندثر ليحلَّ محلَّها حضارات أخرى أقوى ، نسمع عن حضارة قديمة في مصر وفي الصين وفي اليمن ، نسمع عن الحضارة الرومانية والفينيقية … الخ حضارات تتوالى وتأخذ حظها من الرُّقيِّ والرفاهية ، وتُورِث أصحابها رخاوة وطراوة ، وتبدلهم بالجَلَد والقوة لِيناً وضَعْفاً ، فيغفلوا عن أسباب رُقيِّهم وتقدُّمهم ، فتنهدم حضارتهم ويحلُّ محلَّها أقوى منها وأصلب . وهذا مثال ونموذج في حضارة بلغت أوج عظمتها : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } [ الفجر : 6 - 10 ] . وإلى الآن ، ونحن نرى آثار الحضارة الفرعونية ، وكيف أنها تجذب انتباه أصحاب الحضارات الحديثة وتنال إعجابهم ، فيأتون إليها من كل أنحاء العالم ، مع أن حضارة عاد كانت أعظم منها لأن الله تعالى قال في حقها : { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } [ الفجر : 8 ] . ومع ذلك لا نرى لهم أثراً يدل على عِظَم حضارتهم ، ولم يكُنْ لهذه الحضارة مناعة لتحمي نفسها ، أو تحتفظ لها بشيء ، فانهارت وبادتْ ولم يَبْقَ منها حتى أثر . كذلك أتباع الرسل يمرُّون بمثل هذه الدورة ، فبعد قوة الإيمان تصيبهم الغفلة ويتسرب إليهم الضعف وسوء الحال ، إلى أن يرسل الحق سبحانه رسولاً جديداً . { مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } [ المؤمنون : 43 ] . المعنى في الجملة الأولى واضح ، فأيُّ أمة لا يمكن أنْ تسبق أجلها الذي حدَّده الله لها ، ولا يمكنْ أن تنتهي أو تقوَّض قبل أنْ يحلَّ هذا الأجل . لكن ما المراد بقوله سبحانه : { وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } [ المؤمنون : 43 ] كيف يتأتَّى ذلك ؟ فهمنا : لا تسبق أجلها يعني أجلها أن تقوض بعد عشرين سنة ، فلا يمكن أن تُقوَّض قبل خمس عشرة ، أما كونها تستأخر بعد أن بلغتْ العشرين إلى عشرة ، فكيف يتم ذلك ؟ نقول : لا تستأخر يعني : من حيث الحكم هي لا تسبق الأجل وهي محكوم عليها بأنها لا تستأخر لأن الاستئخار بعد بلوغ الأجل مستحيل ، كما لو قلنا : شخص بلغ سِنَّ العشرين لا يقدر أن يموت في العاشرة . فالمعنى : الأصل فيه أنه لا يستأخر . ثم يقول الحق سبحانه : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً … } .