Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 44-44)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ تَتْرَا … } [ المؤمنون : 44 ] يعني : متوالين يتبع بعضهم بعضاً لذلك ظنَّها البعض فعلاً وهي ليست بفعل ، بدليل أنها جاءت في قراءة أخرى تتراً بالتنوين والفعل لا يُنوَّن ، إذن : هي اسم ، والألف فيها للتأنيث مثل حُبْلى . أضِفْ إلى ذلك أن التاء الأولى تأتي في اللغة بدلاً من الواو ، كما جاء في الحديث الشريف من نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم : " احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجدْه تجاهك - أو وجاهك " يعني : مواجهك . فإذا أُبدِلَتْ التاء الأولى في تتراً واواً تقول وتراً يعني : متتابعين فَرْداً فَرْداً ، والوتر هو الفَرْد . ثم يقول سبحانه : { كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ … } [ المؤمنون : 44 ] فهذه طبيعة ولازمة من لوازم المرسل إليهم ، وما من رسول أُرسل إلى قوم إلا كذّبوه ، ثم يلجأ إلى ربه : { قَالَ رَبِّ ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } [ المؤمنون : 39 ] . ولو لم يُكذَّب الرسول ما كان هناك ضرورة لإرساله إليهم ، وما جاء الرسول إلا بعد أن استشرى الباطل ، وعَمَّ الطغيان ، فطبيعي أنْ يُكذَّب من هؤلاء المنتفعين بالشر المستفيدين من الباطل والذين يدافعون عنه بكل قواهم ، وكأن تكذيبهم للرسل دليل على صواب مجيء الرسل ، وإلا لما كان هناك ضرورة لرسالات جديدة . وقوله تعالى : { فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً … } [ المؤمنون : 44 ] يعني : يمضي واحد ويأتي غيره من الرسل ، أو نهلك المكذِّبين ثم يأتي بعدهم آخرون ، فيكذبون فنهلكهم أيضاً . { وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ … } [ المؤمنون : 44 ] أحاديث : إما جَمْعاً لحديث كما نقول : أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جمع : أحدوثة . وهي المقولة التي يتشدَّق بها الجميع ، وتلوكُها كل الألسنة ، ومن ذلك قول الإنسان إذا كثُر كلام الناس حوله : جعلوني حدوتة يعني على سبيل التوبيخ والتقريع لهم . فقوله : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ … } [ المؤمنون : 44 ] كأنه لم يبْقَ منهم أثر إلا أنْ نتكلم عنهم ، ونذكرهم كتاريخ يُحْكَى ، وفي موضع آخر قال تعالى : { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ … } [ سبأ : 19 ] . ثم يقول تعالى عنهم كما قال عن سابقيهم : { فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 44 ] يعني : بُعْداً لهم عن رحمة الله ، وبُعْداً لهم عن نعيم الله الذي كان ينتظرهم ، ولو أنهم آمنوا لنالوه . ثم يقول الحق سبحانه : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا … } .