Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 70-70)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمسألة الرابعة في توبيخ الله لهم : { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ … } [ المؤمنون : 70 ] يعني : جنون ، والجنون أنْ تتعطل الآلة العقلية التي تزن الحركات على وفق النفع والضر ، فتفعل الخير النافع ، وتترك الشر الضارّ . ولننظر : أيّ خصلة من خصال الجنون في محمد صلى الله عليه وسلم . ودَعْكَ من قضية الدين والإله إنما خُذْ خُلقه ، والخلُق أمر يتفق عليه الجميع ويحمدونه ، حتى وإنْ كانوا ضد صفته ، فالكذاب يحب الصادق ، ويعترف أن الصدق شرف وكرامة ، والبخيل يحب الكريم ، والغضوب يحب الحليم ، أَلاَ ترى الكاذب يزاول كذبه على الناس ، لكن لا يحب مَنْ يكذب عليه ؟ أَلاَ ترى شاهد الزور ينقذ غيره بشهادته ، ومع ذلك يسقط من نظره ويحتقره ، حتى إن أهل الحكمة ليقولون : إن شاهد الزور ترتفع رأسك على الخصم بشهادته ، وتدوس قدمك على كرامته ، ومَنْ جعلك موضعاً للنقيصة فقد سقطت من نظره ، وإنْ أعنْتَه على أمره . إذن : فالأخلاق مقاييسها واحدة ، فقيسوا محمداً بأخلاقه ، لا بالدين والرسالة التي جاء بها ، انظروا إلى خُلقه فيكم ، ولن يستطيع واحد منكم أنْ يتهمه في خُلقه بشيء ، وما دام لا يُتَّهم في خُلقه فلا يُتهم كذلك في عقله لأن العقل هو ميزان الخُلق وأساسه . لذلك يقول ربه - عز وجل - في حقِّه : { نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم : 1 - 4 ] فخلُقك العظيم أكبر دليل على أنك لستَ مجنوناً . إذن : محمد بريء من هذه التهمة ، والمسألة كلها كما قال تعالى : { بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ … } [ المؤمنون : 70 ] فهذا عيبه في نظرهم لأن الحق يغيظ أهل الباطل المنتفعين منه ، والبعض يرى الحق في الخير الذي يأتيه ، فإنْ كان في شيء لا ينتفع منه فهو شَرٌّ لذلك إنْ أردتَ أنْ تحكم على خَصْلة فاحكم عليها وهي عليك ، لا وهي لك ، فمثلاً أن تكره الكاذب سواء كذب لك أو كذب عليك ، إذن : فخُذْ المسائل على أنها لك وعليك . والحق - سبحانه وتعالى - حينما قيّد حركتك في النظر إلى محارم الآخرين ، لا تتبرم ولا تقُلْ : منعني متعة النظر … الخ ، لكن انظر إلى أنه قيّد عينيك وأنت واحد ، وقيَّد عيون الآخرين عن محارمك وهم كثيرون . ويقول تعالى بعدها : { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } [ المؤمنون : 70 ] وطبيعي أن يكره أهل الباطل الذين استشرى ظلمهم وطغيانهم ، يكرهون الحق الذي جاء ليعدل الميزان ، ويُقوِّم المعْوج في حركة الحياة ، وكراهية أهل الباطل لرسول الله كان ينبغي أن تكون معيار تصديق له لا تكذيب به ، ينبغي أن نقول : طالما أن أهل الباطل يكرهون هذا فلا بُدَّ أنه الحق وإلاّ ما كرهوه .