Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 76-76)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
استكان فلان لا تقال إلا لمَنْ كان مُتحركاً حركةً شريرة ، ثم هدأ وسكن ، نقول : فلان انكَنّ أو استكان وأصلها كوْن فالمعنى : طلب وجوداً جديداً غير الوجود الذي كان عليه ، أو حالاً غير الحال الذي كان عليه أولاً ، فقبل أنْ يستكين ويخضع كان لا بُدَّ مُتمرِّداً على ربه . والوجود نوعان : وجود أولي مطلق ، ووجود ثَانٍ بعد الوجود الأولي ، كما نقول مثلاً : وُلِد زيد يعني وُجِد زيد وجوداً أولياً ، إنما على أيِّ هيئة وُجد ؟ جميلاً ، قبيحاً … هذه تحتاج إلى وجود آخر ، تقول : كان زيدٌّ هكذا فعل وفاعل لا يحتاج إلى إخبار آخر لأنها للوجود الأول ، لكن حين نقول : كان زيد مجتهداً ، فهذا هو الوجود الثاني وهو الاجتهاد ، وهو وجود ناتج عن الوجود الأول . فكان الأولى هي كان التامة التي وردتْ في قوله تعالى : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ … } [ البقرة : 280 ] أي : وُجِد ذو عُسْرة ، ولا تحتاج في هذه الحالة إلى خبر . ونقول : تمنّى فلان على الله أنْ يُوجَد له ولد ، فكان محمد ، يعني : وُجِد . أما كان الناقصة فتحتاج إلى خبر لأن كان فِعْل يدل على زمان الماضي ، والفعل لا بُدَّ أنْ يدل على زمن وحدث لذلك لا بُدَّ لها من الخبر الذي يعطي الحدث تقول : كان زيد مجتهداً ، فجاء الخبر ليكمل الفعل الناقص ، فكأنك قلتَ : زيد مجتهد . ومعنى { فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ … } [ المؤمنون : 76 ] أن خضوعهم واستكانتهم لم تكُنْ لأنفسهم ولا للناس ، إنما استكانة لله بأخْذ أوامره بمنتهى الخضوع وبمنتهى الطاعة ، لكنهم ما فعلوا وما استكانوا ، لا في حال الرحمة وكَشْف الضر ، ولا في حال الأَخْذ والعذاب ، وكان عليهم أن يعلموا أن الله غيَّر حاله معهم ، ومقتضى ذلك أن يُغيِّروا هم أيضاً حالهم مع الله ، فيستكينوا لربهم ويخضعوا لأوامره . { وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } [ المؤمنون : 76 ] الضراعة : هي الدعاء والذلّة والخضوع لمن أخذ بيدك في شيء ، كما جاء في قوله تعالى : { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ … } [ الأنعام : 43 ] يعني : لجئوا إلى الله وتوجَهوا إليه بالدعاء والاستغاثة .