Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 89-89)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ففي هذه أيضاً يقولون " لله " لأنه واقع ملموس لا يُنكَر ، وطالما أن الأمر كذلك { فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } [ المؤمنون : 89 ] كيف تسحرون أو أسُحِرتم عن هذا الواقع وصُرِفتم عنه إلى هذا الكلام الباطل ؟ هذه قضايا ثلاث جاءت على صورة سؤال لتدينهم بوضوح العقيدة في الوجود الأعلى ، وبوضوح البينات في إعجاز البلاغ عن الله ، وبوضوح الآيات في آيات المنهج ، وقد أراد الحق سبحانه أن يأتي الكلام منهم وبإقرارهم هم على أنفسهم ليكون حجة وشهادة حَقٍّ عليهم . ومعلوم أن الإقرار سيد الأدلة لذلك سألهم : { قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ … } [ المؤمنون : 84 ] . { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } [ المؤمنون : 86 ] . { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ … } [ المؤمنون : 88 ] . وهم يقولون في هذا كله لله إذن : فماذا بقي لكم ؟ ما الذي منعكم أن تتقوا الذي تؤمنون بأنه المالك للأرض وللسماء وبيده كل شيء ؟ إنه مجرد استكبار وعناد وغطرسة ، وإلا فماذا تعني كلمة الله التي تنطقون بها ؟ إنكم تعرفون الله ، وتعرفون مدلول هذه الكلمة لأن مدلول الكلمة سابق على وجودها في لغة البشر ، فاللغة عادة ألفاظ توضع لمعانٍ تدل عليها ، فالمعنى يوُجدَ أولاً ، ثم نضع له اللفظ الدالّ عليه ، وما دام أن لفظ الله يدور على ألسنتكم ولا بُدَّ أنكم تعرفون مدلولة ، وهو قضية لغوية انتهيتم منها ، وإلا فالأمر العدمي لا اسم له . فالتليفزيون مثلاً : ما اسمه قبل أن يخترع ؟ لم يكن له اسم لأنه لم يكُنْ له معنى ، فلما وُجِد وُضِع له الاسم . وحيث دارت الألسنة بكلمة الله فمعنى ذلك أنه تعالى موجود قبل وجود الاسم ، فالمسألة - إذن - حجة عليكم . لذلك عرض الحق - سبحانه وتعالى - هذه القضايا في صورة سؤال لينتزع منهم الإقرار بها ، كما لو أنكر شخص جميلك فيه ، فإنْ قلتَ له على سبيل الإخبار : لقد قدمتُ لك كذا وكذا ، والخبر يحتمل الصِّدْق ويحتمل الكذب وله أن يعترف أو ينكر . أما حين تقول له : ألم أُقدِّم لك كذا وكذا ؟ على سبيل الاستفهام ، فإنه لا يملك إلا الاعتراف ، وينطق لك بالحق وبالواقع ، وتصل بإقراره إلى مَا لا تؤديه الشهادة أو البينة عليه . ثم يقول الحق سبحانه : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّهُمْ … } .