Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 88-88)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى : { بِيَدِهِ … } [ المؤمنون : 88 ] تدل على التمكّن من الشيء ، كما تقول : هذا الأمر في يدي يعني في مُكْنتي وتصرفي ، أقلبه كيف أشاء { مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ … } [ المؤمنون : 88 ] مادة ملك منها مِلْك ، ومنها مُلْك ، ومنها ملكوت . المِلْك ما تملكه أنت ، حتى لو لم يكن عندك إلا ثوب واحد فهو مِلْك ، أمّا مُلْك فيعني أنْ تملك مَنْ يملك ، وهذا يكون ظاهراً . أما الملكوت فالأشياء المخلوقة التي لا تقع عليها حواسُّك ، ولا يمكن أن تعلم عنها شيئاً إلا بإخبار خالقها ، والإنسان لا يرى كل ما في الكون ، بل إن في نفسه وذاته أشياءً لا يعرفها ، فهذا كله من عالم الملكوت . بل إن الإنسان لا يرى حتى المُلْك الظاهر المحسّ لأنه لا يرى منه إلا على قَدْر مَدِّ بصره ، وما خرج عن هذا النطاق لا يراه ، وإن كان يراه غيره ، ويمكن أن يدخل هذا المُلك الذي لا تراه في دائرة الملكوت بمعناه الواسع . إذن : الملكوت يُطلق على الأشياء المحجوبة التي لا يراها أحد ، أو على الأشياء التي يراه واحد دون الآخر . والإنسان إذا تعمَّق في عبادة الله وفي طاعته يفيض عليه من التجليات ، ويعطيه من هذا الملكوت عطاءً مباشراً ، كما قال : { مِّن لَّدُنَّـآ … } [ النساء : 67 ] . ألا ترى إبراهيم عليه السلام قال عنه ربه { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [ النجم : 37 ] وقال عنه : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ … } [ البقرة : 124 ] يعني : يؤدي ما لله بدقة وعلى الوجه الأكمل لذلك يأتمنه ربه على أن يكون إماماً للناس { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً … } [ البقرة : 124 ] . فلما أحسن إبراهيمُ ما بينه وبين ربه وبلغ هذه المنزلة قال عنه ربه : { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الأنعام : 75 ] . لأنه أحسن في الأولى فرقي إلى أعلى منه . كما لو دخل رجل بيتك وشاهد ما عندك من نعيم ، ففرح لما أنت فيه ، وقال : ما شاء الله تبارك الله ، ودعا لك بالزيادة ، فلما رأيت منه ذلك قلت له إذن : تعالى أريك ما هو أعظم . كذلك العبد الصالح الذي عبد الله وتقرَّب إليه بمنهج موسى عليهما السلام ، فلما استقام على هذا المنهج وتعمَّق في عبادة الله وطاعته أعطاه الله من علمه اللدنيّ دون واسطة ودون رسول ، حتى كان هو مُعلِّماً لموسى عليه السلام . ثم يقول سبحانه : { وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ … } [ المؤمنون : 88 ] يجير : تقول : استجار بفلان فأجاره يعني : استغاث به فأغاثه ، ومنه قوله تعالى : { وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ … } [ الأنفال : 48 ] والإنسان لا يستجير بغيره إلا إذا ضعُفَتْ قوته عن حمايته ، فيلجأ إلى قوي يحميه ويدافع عنه . إذن : هذه المسألة لها ثلاثة عناصر : مجير ، وهو الذي يقبل أن يغيثك ويحتضنك ويدافع عنك . ومُجَار : وهو الضعيف الذي يطلب الحماية . ومُجَار عليه : وهو القوي الذي يريد أن يبطش . ومن المعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الطائف وبعد أنْ فعلوا به صلى الله عليه وسلم ما فعلوا استجار ، ودخل في حمى كافر . فالحق - سبحانه وتعالى - يجير مَنِ استجار به ، ويغيث مَن استغاثة لكن { وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ … } [ المؤمنون : 88 ] لأن الذي يجيرك إنما يجيرك من مساوٍ له في القوة ، فيستطيع أن يمنعك منه ، ويحميك من بطشه ، فَمنْ ذا الذي يحميك من الله ؟ ومَنْ يجيرك إنْ كان الله هو طالبك ؟ ! لذلك يقول سبحانه في مسألة ابن نوح : { قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ … } [ هود : 43 ] فالله - عز وجل - يجير على كل شيء ، ومن أصبح وأمسى في جوار ربه فلا خوف عليه . وتلحظ هنا العلاقة بين صَدْر هذه الآية وعَجُزها : فالله تعالى بيده وفي قبضته سبحانه كل شيء ، والأمر كله إليه ، فإياك أنْ تظن أنك تفلت من قبضته بالنعمة التي أعطاك لأنه سبحانه قادر أن يسلبك إياها ، وساعتها لن يجيرك أحد ، ولن يغيثك من الله مغيث ، ولن يعصمك من الله عاصم . ثم قرأ قوله تعالى : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آل عمران : 26 ] . وهنا أيضاً يقول سبحانه : { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ المؤمنون : 88 ] إنْ كان عندكم علم بهذه المسألة ووصلت إليكم وعاينتموها . ثم يقول الحق سبحانه عنهم : { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ … } .