Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 27-27)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كلمة بيت : نفهم منها أنه ما أعِدّ للبيتوتة ، حيث يأوي إليه الإنسان آخر النهار ويرتاح فيه من عناء اليوم ، ويُسمَّى أيضاً الدار لأنها تدور على مكان خاص بك لذلك كانوا في الماضي لا يسكنون إلا في بيوت خاصة مستقلة لا شركة فيها مثل العمارات الآن ، يقولون : بيت من بابه . حيث لا يدخل ولا يخرج عليك أحد ، وكان السَّكَن بهذه الطريقة عِصْمةً من الريبة لأنه بيتك الخاص بأهلك وحدهم لا يشاركهم فيه أحد . لكن هناك أمور تقتضي أنْ يدخل الناس على الناس لذلك تكلم الحق - تبارك وتعالى - هنا عن آداب الاستئذان وعن المبادئ والنظم التي تنظم هذه المسألة لأن ولوج البيوت بغير هذه الآداب ، ودون مراعاة لهذه النظم يُسبِّب أموراً تدعو إلى الرِّيبة والشك لذلك في الفلاحين حتى الآن : إذا رأوا شخصاً غريباً يدخل حارة لا علاقة له بها لا بُدَّ أن يسأل : لماذا دخل هنا ؟ إذن : فشرْع الله لا يحرم المجتمع من التلاقي ، إنما يضع لهذا التلاقي حدوداً وآداباً تنفي الرّيْب والشبهة التي يمكن أنْ تأتي في مثل هذه المسائل . لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى في آداب الاستئذان : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا … } [ النور : 27 ] . { حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ … } [ النور : 27 ] من الأُنْس والاطمئنان ، فحين تجلس وأهلك في بيتك ، وأقبل عليك غريب لا تعرفه ، إذا لم يُقدِّم لك ما تأنس به من الحديث أو الاستئذان لا بُدَّ أن تحدث منه وَحشة ونفور إذن : على المستأذن أن يحدث من الصوت ما يأنس به صاحب الدار ، كما نقول : يا أهل الله ، أو نطرق الباب ، أو نتحدث مع الولد الصغير ليخبر مَنْ بالبيت . ذلك لأن للبيوت حرمتها ، وكل بيت له خصوصياته التي لا يحب صاحب البيت أن يطّلع عليها أحد ، إما كرامةً لصاحب البيت ، وإما كرامة للزائر نفسه ، فالاستئذان يجعل الجميع يتحاشى ما يؤذيه . لذلك قال تعالى بعدها : { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ … } [ النور : 27 ] . أي : خير للجميع ، للزائر وللمزور ، فالاستئذان يمنع أن يتجسس أحد على أحد ، يمنع أن ينظر أحد إلى شيء يؤذيه ، وهَبْ أن أبا الزوجة أراد زيارتها ودخل عليها فجأة فوجدها في شجار مع زوجها ، فلربما اطلع على أمور لا ترضيه ، فيتفاقم الخلاف . ثم تختم الآية بقوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ النور : 27 ] يعني : احذروا أن تغفلوا هذه الآداب ، أو تتهاونوا فيها ، كمَنْ يقولون : نحن أهلٌ أو أقارب لا تكليفَ بيننا لأن الله تعالى الذي شرع لكم هذه الآداب أعلَمُ بما في نفوسكم ، وأعلم بما يُصلِحكم . بل ويتعدى هذا الأدب الإسلامي من الغريب إلى صاحب البيت نفسه ، ففي الحديث الشريف " نهى أن يطرق المسافر أهله بليل " إنما عليه أن يخبرهم بقدومه حتى لا يفاجئهم وحتى يستعد كل منهما لملاقاة الآخر . ثم يقول الحق سبحانه : { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ … } .