Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 31-31)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر هنا المقابل ، فأمر النساء بما أمر به الرجال ، ثم زاد هنا مسألة الزينة . والزينة : هي الأمر الزائد عن الحد في الفطرية لذلك يقولون للمرأة الجميلة بطبيعتها والتي لا تحتاج إلى أن تتزين : غانِية يعني : غنيت بجمالها عن التزيُّن فلا تحتاج إلى كحل في عينيها ، ولا أحمر في خدَّيْها ، لا تحتاج أن تستر قُلْبها بأسورة ، ولا صدرها بعقد … إلخ . فإنْ كانت المرأة دون هذا المستوى احتاجتْ لشيء من الزينة ، لكن العجيب أنهن يُبالِغْنَ في هذه الزينة حتى تصبح كاللافتة النيون على كشك خشبي مائل ، فترى مُسِنَّات يضعْنَ هذا الألوان وهذه المساحيق ، فيَظْهَرن في صورة لا تليق لأنه جمال مُصْطنع وزينة متكلفة يسمونها تطرية ، وفيها قال المتنبي ، وهو يصف جمال المرأة البدوية وجمال الحضرية : @ حُسْن الحِضارة مَجلْوبٌ بتطْرِيةٍ وفِي البَدَاوة حُسْنٌ غير مَجْلُوب @@ ومن رحمة الله بالنساء أن قال بعد { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ … } [ النور : 31 ] قال : { إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا … } [ النور : 31 ] يعني : الأشياء الضرورية ، فالمرأة تحتاج لأنْ تمشي في الشارع ، فتظهر عينيها وربما فيها كحل مثلاً ، وتظهر يدها وفيها خاتم أو حناء ، فلا مانع أن تُظهر مثل هذه الزينة الضرورية . لكن لا يظهر منها القُرْط مثلاً لأن الخمار يستره ولا الديكولتيه أو العقد أو الأسورة أو الدُّمْلُك ولا الخلخال ، فهذه زينة لا ينبغي أن تظهر . إذن : فالشارع أباح الزينة الطبيعية شريطةَ أن تكون في حدود ، وأن تقصر على مَنْ جُعِلَتْ من أجله . ونلحظ في قوله تعالى : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا … } [ النور : 31 ] المراد تغطية الزينة ، فالجارحة التي تحتها من باب أوْلَى ، فالزينة تُغطِّي الجارحة ، وقد أمر الله بسَتْر الزينة ، فالجارحة من باب أَوْلَى . وقوله تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ … } [ النور : 31 ] . الخُمر : جمع خِمّار ، وهو غطاء الرأس الذي يُسْدل ليستر الرقبة والصدر . الجيوب : جميع جيب ، وهو الفتحة العليا للثوب ويسمونها القَبَّة والمراد أن يستر الخمارُ فتحةَ الثوب ومنطقة الصدر ، فلا يظهر منها شيء . والعجيب أن النساء تركْنَ هذا الواجب ، بل ومن المفارقات أنهن يلبسْنَ القلادة ويُعلِّقن بها المصحف الشريف ، إنه تناقض عجيب يدل على عدم الوعي وعدم الدراية بشرع الله مُنزِل هذا المصحف . وتأمل دقة التعبير القرآني في قوله تعالى { وَلْيَضْرِبْنَ … } [ النور : 31 ] والضرب هو : الوَقْع بشدة ، فليس المراد أن تضع المرأة الطرحة على رأسها وتتركها هكذا للهواء ، إنما عليها أنْ تُحكِمها على رأسها وصدرها وتربطها بإحكام . لذلك لما نزلت هذه الآية قالت السيدة عائشة : رحم الله نساء المهاجرات ، لما نزلت الآية لم يكُنْ عندهم خُمر ، فعمدْن إلى المروط فشقوها وصنعوا منها الخُمُر . إذن : راعَى الشارع الحكيم زِيَّ المرأة من أعلى ، فقال : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ . . } [ النور : 31 ] ومن الأدنى فقال : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ … } [ الأحزاب : 59 ] . ثم يقول تعالى : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ … } [ النور : 31 ] أي : أزواجهن لأن الزينة جُعِلَتْ من أجلهم { أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ … } [ النور : 31 ] أبو الزوج ، إلا أنْ يخاف منه الفتنة ، فلا تبدي الزوجة زينتها أمامه . ومعنى { أَوْ نِسَآئِهِنَّ … } [ النور : 31 ] أي : النساء اللائي يعملْنَ معها في البيت كالوصيفات والخادمات { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ … } [ النور : 31 ] والمراد هنا أيضاً ملْك اليمين من النساء دون الرجال . ويشترط في هؤلاء النساء أن يكُنَّ مسلمات ، فإنْ كُنَّ كافرات كهؤلاء اللائي يستقدمونهن من دول أخرى ، فلا يجوز للمرأة أن تُبدي زينتها أمامهن ، وأن تعتبرهن في هذه المسألة كالرجال ، لأنهن غير مسلمات وغير مؤتمنات على المسلمة ، وربما ذهبت فوصفتْ ما رأتْ من سيدتها للرجل الكافر فينشغل بها . ومن العلماء مَنْ يرى أن مِلْك اليمين لا يخصُّ النساء فقط ، إنما الرجال أيضاً ، فللمرأة أنْ تُبدي زينتها أمامهم ، قالوا : لأن هناك استقبالاً عاطفياً وامتناعاً عاطفياً في النفس البشرية ، فالخادم في القَصْر لا ينظر إلى سيدته ولا إلى بناتها لأنه لا يتسامى إلى هذه المرتبة ، إلا إذا شجَّعْنَهُ ، وفتحْنَ له الباب ، وهذه مسألة أخرى . وقوله تعالى : { أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ … } [ النور : 31 ] أي : التابعين للبيت ، والذين يعيشون على فضلاته ، فتكون حياة التابع من حياة متبوعه ، فليس عنده بيت يأويه لذلك ينام في أيِّ مكان ، وليس عنده طعام لذلك يُطعمه الناس وهكذا ، فهو ضائع لا هدفَ له ولا استقلاليةَ لحياته ، وترى مثل هؤلاء يأكلون فضلات الموائد ويلبسون الخِرَق وينامون ولو على الأرصفة . مثل الأهبل أو المعتوه الذي يعطف الناس عليه ، وليس له مطمع في النساء ، ولا يفهم هذه المسألة ، فلا يُخاف منه على النساء لأنه لا حاجةَ له فيهن ولا يتسامى لأنْ ينظر إلى أهل البيت . ومعنى : { غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ … } [ النور : 31 ] يعني : كأن يكون كبير السِّنِّ واهن القوى ، لا قدرةَ له على هذه المسائل ، أو يكون مجبوباً ، مقطوع المتاع ، ولا خطرَ من مثل هؤلاء على النساء . وقوله تعالى : { أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ … } [ النور : 31 ] . نلحظ هنا أن الطفل مفرد ، لكن وُصِف بالجمع { ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ … } [ النور : 31 ] لماذا ؟ قالوا : هذه سِمَة من سمات اللغة ، وهي الدقة في التعبير ، حيث تستخدم اللفظ المفرد للدلالة على المثنى وعلى الجمع . كما نقول : هذا قاضٍ عَدْلٌ ، وهذان قاضيان عَدْل ، وهؤلاء قضاة عَدْل ، ولم نقل : عدلان وعدول ، فإذا وحِّد الوصف في الجميع بدون هوى كان الوصف كالشيء الواحد ، فالقاضي لا يحكم بمزاجه وهواه ، والآخر بمزاجه وهواه ، إنما الجميع يصدرون عن قانون واحد وميزان واحد . إذن : فالعدل واحد لا يُقَال بالتشكيك ، وليس لكل واحد منهم عدل خاص به ، العّدْل واحد . كذلك الحال في { ٱلطِّفْلِ … } [ النور : 31 ] مع أن المراد الأطفال ، لكن قال الطفل لأن غرائزه مشتركة مع الكل ، وليس له هَوىً ، فكل الأطفال - إذن - كأنهم طفل واحد حيث لم يتكوّن لكل منهم فِكْره الخاص به ، الجميع يحب اللهو واللعب ، ولا شيءَ وراء ذلك ، فالجمعية هنا غير واضحة لوجود التوحيد في الغرائز وفي الميول . بدليل أنه إذا كَبِر الأطفال وانتقلوا إلى مرحلة البلوغ وتكوَّن لديهم هَوىً وفِكْر وميْل يقول القرآن عنهم : { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ … } [ النور : 59 ] فنظر هنا إلى الجمع لعدم وجود التوحُّد في مرحلة الطفولة المبكرة . ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } [ الذاريات : 24 ] فوصف ضيف وهي مفرد بالجمع مكرمين ذلك لأن ضَيْف تدل أيضاً على الجمع ، فالضيف من انضاف على البيت وله حَقٌّ والتزامات لا بُدَّ أن يقدمها المضيف ، مما يزيد على حاجة البيت ، والضيف في هذه الالتزامات واحد ، سواء كان مفرداً أو جماعة لذلك دَلَّ بالمفرد على الجمع . وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ … } [ النور : 31 ] يظهر على كذا : لها معنيان في اللغة : الأول : بمعنى يعلم كما في قوله تعالى : { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ … } [ الكهف : 20 ] يعني : إنْ عَلِموا بكم وعرفوا مكانكم . والثاني : بمعنى يعلو ويغلب ويقهر ، كما في قوله تعالى : { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ } [ الكهف : 97 ] أي : السد الذي بناه ذو القرنين ، فالمعنى : ما استطاعوا أنْ يعلوه ويرتفعوا عليه . وهنا { لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ … } [ النور : 31 ] يعني : يعرفونها ويستبينونها ، أو يقدرون على مطلوباتها ، فليس لهم عِلْم أو دراية بهذه المسائل . ثم يقول سبحانه : { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ … } [ النور : 31 ] . الحق - تبارك وتعالى - يكشف ألاعيب النساء وحِيَلهنّ في جَذْب الأنظار ، فإذا لم يلفتْك إليها النظر لفتَك الصوت الذي تحدثه بمشيتها كأنها تقول لك : يا بجم اسمع ، يا للي ما نتاش شايف اسمع ، وفي الماضي كُنَّ يلبسْنَ الخلخال الذي يُحدِث صوتاً أثناء المشي ، والآن يجعلْنَ في أسفل الحذاء ما يُحدِث مثل هذا الصوت أثناء المشي ، وأول مَنِ استخدم هذه الحيل الراقصات ليجذبن إليهن الأنظار . ومعلوم أن طريقة مَشْي المرأة تُبدِي الكثير من زينتها التي لا يراها الناس ، وتُسبِّب كثيراً من الفتنة لذلك يقول تعالى بعدها وفي ختام هذه المسائل : { وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ النور : 31 ] . لم يَقُل الحق تبارك وتعالى : يا مَنْ أذنبتم بهذه الذنوب التي سبق الحديث عنها ، إنما قال { جَمِيعاً … } [ النور : 31 ] فحثَّ الجميع على التوبة ليدل على أن كل ابن آدم خطاء ، ومهما كان المسلم مُتمسِّكاً ملتزماً فلا يأمن أنْ تفوته هفوة هنا أو هناك ، والله - عز وجل - الخالق والأعلم بمَنْ خلق لذلك فتح لهم باب التوبة وحثَّهم عليها ، وقال لهم : ما عليكم إلا أنْ تتوبوا ، وعليَّ أنا الباقي . ثم يقول الحق سبحانه : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ … } .