Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 33-33)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في حالة إذا لم ننكح الأيامى ، ولم نُعِنهم على الزواج ، ولم يقدروا هم على القيام بنفقاته يصف لهم الحق - سبحانه وتعالى - العلاج المناسب ، وهو الاستعفاف ، وقد طلب الله تعالى من المجتمع الإسلامي سواء - تمثَّل في أولياء الأمور أو في المجتمع العام - أن ينهض بمسألة الأيامى ، وأنْ يعينهم على الزواج ، فإنْ لم يقُمْ المجتمع بدوره ، ولم يكُنْ لهؤلاء الأيامى قدرة ذاتية على الزواج ، فليستعفف كل منهم حتى يغنيهم الله ، مما يدل على أن التشريع يبني أحكامه ، ويُراعي كل الأحوال ، سواء أطاعوا جميعاً أو عَصَوْا جميعاً . وقوله تعالى : { وَلْيَسْتَعْفِفِ … } [ النور : 33 ] يعني : يحاول العفاف ويطلبه ويبحث عن أسبابه ، يجاهد أن يكون عفيفاً ، وأول أسباب العفاف أن يغضَّ بصره حين يرى ، فلا يوجد له مُهيِّج ومثير ، فإنْ وجد في نفسه فُتوة وقوة فعلية أن يُلجمها ويُضعِفها بالوسائل الشرعية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب مَنِ استطاع منكم الباءة - يعني : نفقات الحياة الزوجية - فليتزوج ، ومن لم يجد فعليه بالصوم فإنه له وجاء " . والصوم يعمل على انكسار هذه الشهوة ويُهدِّىء من شراسة الغريزة ذلك لأنه يأكل فقط ما يقيم أَوْدَه ، ولا يبقى في بدنه ما يثير الشهوة ، كما جاء في الحديث الشريف : " بحسب ابن آدم لقيمات يُقِمْنَ صُلْبه … " . أو : أن يُفرِّغ الشاب نفسه للعمل النافع المفيد الذي يشغله ويستنفد جَهْده وطاقته ، التي إن لم تصرف في الخير صرفت في الشر ، وبالعمل يثبت الشاب ذاته ، ويثق بنفسه ، ويكتسب الحلال الذي يُشجِّعه مع الأيام على الزواج وتحمُّل مسئولياته . لذلك قال تعالى : { وَلْيَسْتَعْفِفِ … } [ النور : 33 ] ولم يقُلْ : وليعف ، فالمعنى ليسلك سبيل الإعفاف لنفسه وليسْعَ إليه ، بأن يمنع المهيِّج بالنظر ويُهدئ شراسة الغريزة بالصوم ، أو بالعمل فيشغل وقته ويعود آخر النهار متعباً يريد أن ينام ليقوم في الصباح لعمله نشيطاً ، وهكذا لا يجد فرصة لشيء مما يغضب الله . ومعنى : { ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً … } [ النور : 33 ] أي : بذواتهم قدرة أو بمجتمعهم معونة . وقوله تعالى : { حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ … } [ النور : 33 ] يدل على أن الاستعفاف وسيلة من وسائل الغنى لأن الاستعفاف إنما نشأ من إرادة التقوى ، وقد قال تعالى في قضية قرآنية : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [ الطلاق : 2 - 3 ] فمن هذا الباب يأتيه غِنَى الله . ثم يقول الحق سبحانه وتعالى : { وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ … } [ النور : 33 ] . الكتاب : معروف أنه اجتماع عدة أشياء مكتوبة في ورق ، والمراد هنا المكاتبة ، وهي أن تكتب عَقْداً بينك وبين العبد المملوك ، تشترط فيه أن يعمل لك كذا وكذا بعدها يكون حراً ، إنْ أدَّى ما ذكر في عَقْد المكاتبة . { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً … } [ النور : 33 ] يعني : إنْ كانت حريتهم ستؤدي إلى خير كأنْ ترفع عنهم ذِلَّة العبودية ، وتجعلهم ينشطون في الحياة نشاطاً يناسب مواهبهم . لذلك جعل الحق - سبحانه وتعالى - هذه المكاتبة مَصْرفاً من مصارف الزكاة ، فقال تعالى : { وَفِي ٱلرِّقَابِ … } [ البقرة : 177 ] يعني : المماليك الذين نريد أنْ نفكَّ رقابهم من أَسْر العبودية وذُلِّها بالعتق ، وإنْ كان مال الزكاة يُدفع للفقراء وللمساكين … إلخ ففي الرقاب يدفع المال للسيد ليعتق عبده . كما جعل الإسلام عِتْق الرقاب كفارةً لبعض الذنوب بين العبد وبين ربه ذلك لأن الله تعالى يريد أن يُنهي هذه المسألة . { وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ … } [ النور : 33 ] . الحق - تبارك وتعالى - هو الرازق ، والمال في الحقيقة مال الله ، لكن إنْ ملّكك وطلب منك أن تعطي أخاك الفقير يحترم ملكيتك ، ولا يعود سبحانه في هِبَته لك لذلك يأخذ منك الصدقة على أنها قَرْض لا يردُّه الفقير ، إنما يتولى ربك عز وجل رَدَّه ، فيقول : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً … } [ البقرة : 245 ] ولم يقُلْ سبحانه : يقرض فلاناً ، وإنما يُقرِض الله لأنه تعالى هو الخالق ، ومن حق عبده الذي استدعاه للوجود أنْ يرزقه ويتكفّل له بقُوتِه . واحترام الملكية يجعل الإنسان مطمئناً على آثار حركة حياته وثمره جهده ، وأنها ستعود عليه ، وإلاّ فما الداعي للعمل ولبذل المجهود إنْ ضاعت ثمرته وحُرِم منها صاحبها ؟ عندها ستتعطل مصالح كثيرة وسيعمل الفرد على قَدْر حاجته فحسب ، فلا يفيض عنه شيء للصدقة . ثم يقول سبحانه : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النور : 33 ] . يُقَال للمملوك : فتى ، وللمملوكة : فتاة ، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول الرجل : عبدي وأَمَتي إنما يقول : فتاي وفتاتي ، فهذه التسمية أكرم لهؤلاء وأرفع ، فالفتى من الفُتوّة والقوة كأنك تقول : هذا قوتي الذي يساعدني ويعينني على مسائل الحياة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يرفع من شأنهم . ومن هؤلاء جماعة المماليك الذين حكموا مصر في يوم من الأيام ، وكانوا من أبناء الملوك والسلاطين والأعيان . والبغاء ظاهرة جاء الإسلام فوجدها منتشرة ، فكان الرجل الذي يملك مجموعة من الإماء ينصب لهُنّ راية تدل عليهن ، ويأتيهن الشباب ويقبض هو الثمن ، ومن هؤلاء عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس النفاق ، وكان عنده مسيكة ، ومعاذة وفيه نزلت هذه الآية . وتأويل الآية : لا تُكرِهوا الإماء على البغاء ، وقد كُنَّ يبكين ، ويرفضْنَ هذا الفعل ، وكُنَّ يؤذيْنَ ويتعرضْنَ للغمز واللمز ، ويتجرأ عليهن الناس ، وكان من هؤلاء الإماء بنات ذوات أصول طيبة شريفة ، لكن ساقتهن الأقدار إلى السَّبْي في الحروب أو خلافه ، في حين أن الحرة العفيفة تسير لا يتعرض لها أحد بسوء . ومعنى : { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً … } [ النور : 33 ] يتكلم القرآن هنا عن الواقع بحيث إنْ لم يُرِدْن تحصُّناً فلا تُكرهِوهُنَّ { لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا … } [ النور : 33 ] طلباً للقليل من المال الزائل { وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النور : 33 ] لأنهن في حالة الإكراه على البغاء يفقدنَ شرط الاختيار ، فلا يتحملن ذنب هذه الجريمة ، عملاً بالحديث النبوي الشريف : " رُفِع عن أمتي : الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه " . لذلك يُطمئِن الحق - تبارك وتعالى - هؤلاء اللاتي يُرِدْنَ التحصُّن والعفاف ، لكن يكرههن سيدهن على البغاء ، ويُرغمهن بأيِّ وسيلة : اطمئنن فلا ذنبَ لَكُنَّ في هذه الحالة ، وسوف يُغفر لَكُنَّ والله غفور رحيم . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ … } .