Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 34-34)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى : لا عذر لكم لأن الله تعالى قد أنزل إليكم الآيات الواضحة التي تضمن لكم شرف الحياة وطهارتها ونقاء نسل الخليفة لله في الأرض ، وهذه الآيات ما تركتْ شيئاً من أقضية الحياة إلا تناولتْه وأنزلتْ الحكم فيه ، وقد نلتمس لكم العذر لو أن في حياتكم مسألة أو قضية ما لم يتناولها التشريع ولم ينظمها . لذلك يقول سيدنا الإمام علي - رضي الله عنه - عن القرآن : فيه حكم ما بينكم ، وخبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، هو الفَصْل ليس بالهَزْل ، مَنْ تركه من جبار قصمه الله ، ومَنْ ابتغى الهدى في غيره أضله الله . ولا يزال الزمان يُثبِت صِدْق هذه المقولة ، وانظر هنا وهناك لتجد مصارع الآراء والمذاهب والأحزاب والدول التي قامت لتناقض الإسلام ، سواء كانت رأسمالية شرسة أو شيوعية شرسة . إلخ . كلها انهارت على مَرْأىً ومَسْمع من الجميع . نعم ، مَنْ تركه من جبار قصمه الله ، ومَنِ ابتغى الهدى في غيره أضلَّه الله ، لأنه خالقك ، وهو أعلم بما يُصلحك ، فلا يليق بك - إذن - أن تأخذ خَلْق الله لك ثم تتكبر عليه وتضع لنفسك قانوناً من عندك أنت . وسبق أنْ قُلْنا : إن الآيات تطلق على ثلاثة إطلاقات : الآيات الكونية التي تلفتك إلى الصانع المبدع عز وجل ، وعلى المعجزات التي تأتي لتثبت صِدْق الرسول في البلاغ عن الله ، وتُطلق على الآيات الحاملة للأحكام وهي آيات القرآن الكريم ، وفي القرآن هذا كله . وقوله تعالى : { وَمَثَلاً مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } [ النور : 34 ] . أي : جعلنا لكم موعظة وعبرة بالأمم السابقة عليكم ، والتي بلغت شأوها في الحضارة ، ومع ذلك لم تملك مُقوِّمات البقاء ، ولم تصنع لنفسها المناعة التي تصونها فانهارت ، ولم يبق منهم إلا آثار كالتي نراها الآن لقدماء المصريين ، وقد بلغوا من الحضارة منزلةً أدهشت العالم المتقدم الحديث ، فيأتون الآن متعجبين : كيف فعل قدماء المصريين هذه الحضارة ؟ وكان أعظم من حضارة الفراعنة حضارة عاد التي قال الله عنها : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ * ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [ الفجر : 6 - 14 ] يعني : لن يفلت من المخالفين أحد ، ولن ينجو من عذاب الله كافر . والمثَل كذلك في مسألة الزنا وقَذْف المحصنات العفيفات ، كحادثة الإفك التي سبق الكلام عنها ، وأنها كانت مَثَلاً وعِبرةً ، كذلك كانت قصة السيدة مريم مثلاً وقد اتهمها قومها ، وقالوا : { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } [ مريم : 28 ] . وكذلك كانت قصة يوسف عليه السلام وامرأة العزيز ، وكلها مسائل تتعلق بالشرف ، ولم تَخْلُ من رَمْي العفيفات المحصنات ، أو العفيف الطاهر يوسف بن يعقوب عليهما السلام . وهذه الآيات مبينات للوجود الأعلى في آيات الكون ، مُبينات لصِدْق المبلِّغ عن الله في المعجزات ، مُبيِّنات للأحكام التي تنظم حركة الحياة في آيات القرآن ، ثم أريناهم عاقبة الأمم السابقة سواء مَنْ أقبل منهم على الله بالطاعة ، أو مَنْ أعرض عنه بالمعصية ، ولا يستفيد من هذه المواعظ والعِبَر إلا المتقون الذين يخافون الله وتثمر فيهم الموعظة .