Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 53-53)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القَسَم : هو اليمين والحَلِف ، والإنسان يُقسِم ليؤكد المقسَم عليه يريد أن يطمئن المخاطب على أن المقسَم عليه حَقٌّ ، وهؤلاء لم يقسموا بالله سِراً في أنفسهم ، إنما { جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ … } [ النور : 53 ] يعني : بَالَغوا وأتَوْا بمنتهى الجهد في القسم ، فلم يقل أحدهم : وحياة أمي أو أبي ، إنما أقسموا بالله ، وليس هناك قَسَم أبلغ من هذا القسم ، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كان حالفاً فليحلف بالله ، أو ليصمت " . فلما أقسموا بالله للرسول أنْ يخرجوا من بيوتهم وأولادهم وأموالهم إلى الجهاد مع رسول الله فضح الله سرائرهم ، وكشف سترهم ، وأبان عن زيف نواياهم ، كما قال في آية أخرى : { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ … } [ النساء : 81 ] . وتأمل دقَّة الأداء القرآني في : { بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ … } [ النساء : 81 ] وهذا احتياط لأن منهم أُنَاساً يراود الإيمان قلوبهم ويفكرون في أنْ يُخلِصوا إيمانهم ونواياهم لله تعالى ، ويعودوا إلى الإسلام الصحيح . والقرآن يفضح أمر هؤلاء الذي يُقسِمون عن غير صِدْق في القَسَم ، كمن تعوَّد كثرة الحَلِف والحِنْث فيه لذلك ينهاهم عن هذا الحَلِف : { قُل لاَّ تُقْسِمُواْ … } [ النور : 53 ] ولا يمكن أن ينهي المتكلمُ المخاطبَ عن القسم خصوصاً إذا أقسم على خير ، لكن هؤلاء حانثون في قَسَمهم ، فهو كعدمه ، فهم يُقسِمون باللسان ، ويخالفون بالوجدان . وقوله تعالى : { طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ … } [ النور : 53 ] . يُشعِر بتوبيخهم ، كأنه يقول لهم : طاعتكم معروفة لدينا ولها سوابق واضحة ، فهي طاعة باللسان فحسب ، ثم يؤكد هذا المعنى فيقول : { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ النور : 53 ] والذي يؤكد هذه الخبرة أنه يفضح قلوبهم ويفضح نواياهم . والعجيب أنهم لا يعتبرون بالأحداث السابقة ، ولا يتعظون بها ، وقد سبق لهم أنه كان يجلس أحدهم يُحدِّث نفسه الحديث فيفضح الله ما في نفسه ويخبر به رسول الله ، فيبلغهم بما يدور في نفوسهم ، كما جاء في قول الله تعالى : { وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ … } [ المجادلة : 8 ] . ومع ذلك لم يعتبروا ولم يعترفوا لرسول الله بأنه مُؤيَّد من الله ، وأنه تعالى لن يتخلى عن رسوله ، ولن يدعه لهم يخادعونه ويغشُّونه ، وهذه سوابق تكررتْ منهم مرات عِدّة ، ومع ذلك لم ينتهوا عما هم فيه من النفاق ، ولم يُخلِصوا الإيمان لله . وبعد هذا كله يوصي الحق تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُبقِي عليهم ، وألاَّ يرمي طوبتهم لعل وعسى ، فيقول عز وجل : { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ … } .