Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 54-54)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكأنه تعالى لا يريد أنْ يُغلق الباب دونهم ، فيعطيهم الفرصة : جَدِّدوا طاعة لله ، وجَدِّدوا طاعة لرسوله ، واستدركوا الأمر ذلك لأنهم عباده وخَلْقه . وكما ورد في الحديث الشريف : " لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم وقع على بعيره وقد أضله في فلاة … " . ونلحظ في هذه الآية تكرار الأمر أطيعوا { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ … } [ النور : 54 ] وفي آيات أخرى يأتي الأمر مرة واحدة ، كما في الآية السابقة : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ … } [ النور : 52 ] ، وفي { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ … } [ الأنفال : 20 ] وفي { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ … } [ النساء : 80 ] أي : أن طاعتهما واحدة . قالوا : لأن القرآن ليس كتابَ أحكام فحسب كالكتب السابقة ، إنما هو كتاب إعجاز ، والأصل فيه أنه مُعْجز ، ومع ذلك أدخل فيه بعض الأصول والأحكام ، وترك البعض الآخر لبيان الرسول وتوضيحه في الحديث الشريف ، وجعل له صلى الله عليه وسلم حقاً في التشريع بنصِّ القرآن : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ … } [ الحشر : 7 ] . والقرآن حين يُورد الأحكام يوردها إجمالاً ثم يُفصِّلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالصلاة مثلاً أمر بها الحق - تبارك وتعالى - وفرضها ، لكن تفصيلها جاء في السنة النبوية المطهرة ، فإنْ أردتَ التفصيل فانظر في السنة . كالذي يقول : إذا غاب الموظف عن عمله خمسة عشر يوماً يُفصَل ، مع أن الدستور لم ينص على هذا ، نقول : لكن في الدستور مادة خاصة بالموظفين تنظم مثل هذه الأمور ، وتضع لهم اللوائح المنظِّمة للعمل . وذكرنا أن الشيخ محمد عبده سأله بعض المستشرقين : تقولون في القرآن : { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ … } [ الأنعام : 38 ] فهات لي من القرآن : كم رغيفاً في إردب القمح ؟ فما كان من الشيخ إلا أن أرسل لأحد الخبازين وسأله هذا السؤال فأجابه : في الإردب كذا رغيف . فاعترض السائل : أريد من القرآن . فردَّ الشيخ : هذا من القرآن لأنه يقول : { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 43 ] . فالأمر الذي يصدر فيه حكم من الله وحكم من رسول الله ، كالصلاة مثلاً : { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } [ النساء : 103 ] . وفي الحديث : " الصلاة عماد الدين " . ففي مثل هذه المسألة نقول : أطيعوا الله والرسول لأنهما متواردان على أمر واحد ، فجاء الأمر بالطاعة واحداً . أما في مسائل عدد الركعات وما يُقَال في كل ركعة وكوْنها سِراً أو جهراً ، كلها مسائل بيَّنها رسول الله . إذن : فهناك طاعة لله في إجمال التشريع أن الصلاة مفروضة ، وهناك طاعة خاصة بالرسول في تفصيل هذا التشريع ، لذلك يأتي الأمر مرتين { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ … } [ النور : 54 ] . كما نلحظ في القرآن : { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ … } [ النور : 56 ] هكذا فحسب . قالوا : هذه في المسائل التي لم يَرِدْ فيها تشريع ونَصٌّ ، فالرسول في هذه الحالة هو المشرِّع ، وهذه من مميزات النبي صلى الله عليه وسلم عن جميع الرسل ، فقد جاءوا جميعاً لاستقبال التشريع وتبليغه للناس ، وكان صلى الله عليه وسلم هو الوحيد الذي فُوِّض من الله في التشريع . ثم يقول تعالى : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ … } [ النور : 54 ] لأنه تعالى أعلم بحِرْص النبي على هداية القوم ، وكيف أنه يجهد نفسه في دعوتهم ، كما خاطبه في موضع آخر : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] وكأن الحق - تبارك وتعالى - يقول لنبيه : قُلْ لهم وادْعُهم مرة ثانية لتريح نفسك { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ … } [ النور : 54 ] وإنْ كنت غير مكلَّف بالتكرار ، فما عليك إلا البلاغ مرة واحدة . ومعنى : { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ … } [ النور : 54 ] أي : من الله تعالى ، فالرسول حُمِّل الدعوة والبلاغ ، وأنتم حُمِّلْتم الطاعة والأداء ، فعليكم أن تُؤدُّوا ما كلَّفكم الله به . { وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ … } [ النور : 54 ] نلحظ أن المفعول في { وَإِن تُطِيعُوهُ … } [ النور : 54 ] مفرد ، فلم يقل : تطيعوهما ، لتناسب صدر الآية { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ … } [ النور : 54 ] ذلك لأن الطاعة هنا غير منقسمة ، بل هي طاعة واحدة . وقوله : { وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ … } [ النور : 54 ] تكليفاً من الله { إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } [ النور : 54 ] المحيط بكل تفصيلات المنهج التشريعي لتنظيم حركة الحياة . ثم يقول الحق سبحانه : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } .