Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 12-12)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يريد الحق - تبارك وتعالى - أن يُشخِّص لنا النار ، فهي ترى أهلها من بعيد ، وتتحرّش بهم تريد من غَيْظها أنْ تَثِبَ عليهم قبل أنْ يصلوا إليها . والتغيُّظ : ألم وجداني في النفس يجعل الإنسان يضيق بما يجد ، ومن ذلك نسمع مَنْ يقول : أنا ح أطق من جنابي ، يعني : نتيجة ما بداخله من الغيظ لا يتسع له جوفه ، وما دام الغيظ فوق تحمُّل النفس وسِعَتها فلا بُدَّ أن يشعر الإنسان بالضيق ، وأنه يكاد ينفجر . لذلك يقول تعالى عن النار في موضع آخر { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ } [ الملك : 8 ] تميّز يعني : تكاد أبعاضها تنفصل بعضها عن بعض . لكن ، لماذا تميَّز النار من الغيظ ؟ قالوا : لأن الكون كله مُسبِّح لله حامد شاكر لربه لذلك يُسَرُّ بالطائع ويحبه ، ويكره العاصي ، أَلاَ ترى أن الوجود كله قد فرح لمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فرح لمولده الجمادُ والنباتُ والحيوانُ واستبشر ، لأنه صلى الله عليه وسلم جاء ليعيد للإنسان انسجامه مع الكون المخلوق له ، ويعدل الميزان . ومع ذلك نرى من البشر العقلاء أصحاب الاختيار مَنْ يكفر ، لذلك تغتاظ النار من هؤلاء الذين شذُّوا عن منظومة التسبيح والتحميد ورَضُوا لأنفسهم أن يكونوا أَدْنى من الجماد والنبات والحيوان ، ومن ذلك يقولون : نَبَا بهم المكان من كفرهم ، يعني الأماكن من الأرض تُنكرهم وتتضايق من وجودهم عليها ، كما تفرح الأرض بالطائع وتحييه لأنه منسجم معها ، المكان والمكين ينتظمان في منظومة التسبيح والطاعة . لذلك يُنبِّهنا إلى هذه المسألة الإمام علي - رضي الله عنه - فيقول : إذا مات المؤمن بكى عليه موضعان : موضع في السماء ، وموضع في الأرض ، أما في الأرض فموضع مُصلاَّه لأنه حُرِم من صلاته ، وأما موضعه في السماء فمصعد عمله الطيب . والحق - تبارك وتعالى - يُظهر لنا هذه الصورة في قوله سبحانه : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] . فالنار تتشوّق لأهلها كالذي يأكل ولا يشبع ، فمهما أُلْقِي فيها من العصاة تقول : { هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] . ومعنى { وَزَفِيراً … } [ الفرقان : 12 ] النفَس الخارج . وفي موضع آخر يقول تعالى : { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } [ الملك : 7 ] فذكر أن لها شهيقاً وزفيراً ، وهي في المكان الضيق .