Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 16-16)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في الآية السابقة قال سبحانه : { جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ … } [ الفرقان : 15 ] وهنا يقول : { خَالِدِينَ … } [ الفرقان : 16 ] وهذه من المواضع التي يرى فيها السطحيون تكراراً في كلام الله ، مع أن الفرق واضح بينهما ، فالخُلْد الأول للجنة ، أما الثاني فلأهلها ، بحيث لا تزول عنهم ولا يزولون هم عنها . وقوله : { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ … } [ الفرقان : 16 ] كأن امتياز الجنة أن يكون للذي دخلها ما يشاء ، وفي هذه المسألة بَحْث يجب أن نتنبه إليه { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ … } [ الفرقان : 16 ] يعني : إذا دخلتَ الجنة فلك فيها ما تشاء . إذن : لك فيها مشيئة من النعيم ، ولا تشاء إلا ما تعرف من النعيم المحدود ، أما الجنة ففيها ما لا عَيْن رأتْ ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . وهذا الوعد لا يتحقق للمؤمن إلا في الجنة ، أما في الدنيا فلا أحدَ ينال كل ما يشاء - حتى الأنبياء - أَلاَ ترى أن نوحاً عليه السلام طلب من ربه نجاة ولده . فقال : { إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي … } [ هود : 45 ] فلم يُجَبْ إلى ما يشاء . ومحمد صلى الله عليه وسلم - رغم كل المحاولات - لم يتمكن من هداية عمه أبي طالب ، وهذا لا يكون إلا في الدنيا ، لذلك فاعلم أن الله تعالى حين يحجب عنك ما تشاء في الدنيا إنما ليدخره لك كما يشاء في الآخرة ، مع أن الكثيرين يظنون هذا حرماناً ، وحاشا لله تعالى أن يحرم عبده . وفي قوله : { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ … } [ الفرقان : 16 ] عطاءات أخرى ، لكن ربك يعطيك على قَدْر معرفتك بالنعيم ، ويجعل عليك كنترولاً فأنت تطلب وربُّكَ يعطيك ، ويدخر لك ما هو أفضل مما أعطاك . والمشيئة في الأخرى ستكون بنفسيات ومَلَكات أخرى غير نفسيات ومَلكات مشيئات الدنيا ، إنها في الآخرة نفوس صفائية خالصة لا تشتهي غير الخير ، على خلاف ما نرى في الدنيا من ملَكات تشتهي السوء ، لأن الملَكات هنا محكومة بحكم الجبر في أشياء والاختيار في أشياء : الجبر في الأشياء التي لا تستطيع أن تتزحزح عنها كالمرض والموت مثلاً ، أما الاختيار ففي المسائل الأخرى . ثم يقول سبحانه : { كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } [ الفرقان : 16 ] الوعد - كما قلنا - البشارة بخير قبل أوانه . وبعض العلماء يرى أن وعداً هنا بمعنى حق ، لكن هل لأحد حق عند الله ؟ وفي موضع آخر يُسمِّيه تعالى جزاءً ، فهل هو وعد أم جزاء ؟ نقول : حينما شرع الحق سبحانه الوعد صار جزاءً لأن الحق - تبارك وتعالى - لا يرجع في وعده ، ولا يحول شيء دون تحقيقه . وكلمة { مَّسْئُولاً } [ الفرقان : 16 ] مَن السائل هنا ؟ قالوا : الله تعالى علَّمنا أن نسأله ، واقرأ قوله تعالى : { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ … } [ آل عمران : 194 ] فقد سألناها نحن . وكذلك سألتها الملائكة ، كما جاء في قوله سبحانه على لسان الملائكة : { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ … } [ غافر : 8 ] . فالجنة - إذن - مسئولة من أصحاب الشأن ، ومسئولة من الملائكة الذين يستغفرون لنا .