Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 24-24)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن وصف الحق - تبارك وتعالى - ما يؤول إليه عمل الكافرين أراد سبحانه أنْ يُحدِّثنا عن جزاء المؤمنين على عادة القرآن في ذكر المتقابلات التي يظهر كل منها الآخر ، وهذه الطريقة في التعبير كثيرة في كتاب الله منها : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً … } [ التوبة : 82 ] . ومنها أيضاً قول الحق سبحانه : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [ الانفطار : 13 - 14 ] . وهكذا ، ينقلك القرآن من الشيء إلى ضِدّه لتميز بينهما ، فالمؤمن في النعيم ينظر إلى النار وحَرِّها ، فيحمد الله الذي نجاه منها ، وهذه نعمة أخرى أعظم من الأولى . والكافر حين ينظر إلى نعيم الجنة يتحسَّر ويعلم عاقبةَ الكفر الذي حرمه من هذا النعيم ، فيكون هذا أبلغَ في النكاية وأشد في العذاب لذلك قالوا : وبضدِّها تتميز الأشياء . وقوله سبحانه : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [ الفرقان : 24 ] صاحب الشيء : المرافق له عن حُبٍّ ، فكأن الجنةَ تعشَق أهلها وهم يعشقونها ، فقد نشأت بينهما محبة وصُحْبة ، فكما تحب أنت المكان يحبك المكان ، وأيضاً كما تبغضه يبغضك . ومنه قولهم : نَبَا به المكان يعني : كَرِهه المكان . وكلمة { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّة … } [ الفرقان : 24 ] تدل أيضاً على الملكية لأنهم لن يخرجوا منها ، وهي لن تزول ولن تنتهي . وكلمة { خَيْرٌ … } [ الفرقان : 24 ] قلنا : إنها تُستعمل استعمالين : خير يقابله شرّ ، كما في قوله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 - 8 ] وقوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } [ البينة : 7 ] … { أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ } [ البينة : 6 ] . وهناك أيضاً خير يقابله خير ، لكن أقلّ منه ، كما لو قلت : هذا خير من هذا ، وكما في الحديث الشريف : " المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير " . وفي بعض الأساليب لا نكتفي بصيغة خير للتمييز بين شيئين ، فنقول بصيغة أفعل التفصيل : هذا أَخْير من هذا . وكلمة { مُّسْتَقَرّاً … } [ الفرقان : 24 ] المستقر : المكان الذي تستقر أنت فيه ، والإنسان لا يُؤْثِر الاستقرار في مكان عن مكان آخر ، إلا إذا كان المكان الذي استقر فيه أكثرَ راحةً لنفسه من غيره ، كما نترك الغرفة مثلاً في الحرِّ ، ونجلس في الحديقة أو الشُّرْفة . ومن ذلك نقول : إذا ضاقتْ بك أرض فاتركها إلى غيرها ، على حَدِّ قوله تعالى : { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً … } [ النساء : 100 ] . ويقول الشاعر : @ لَعَمْرُكَ مَا ضَاقَتْ بلاَدٌ بأهْلِهَا وَلكِنَّ أخْلاقَ الرجَالِ تَضِيقُ @@ ومعنى { وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [ الفرقان : 24 ] المقيل : هو المكان الذي كانت تقضي فيه العرب وقت القيلولة ، وهي ساعة الظهيرة حين تشتدّ حرارة الشمس ، ونسميها في العامية القيالة ويقولون لمن لا يستريح في هذه الساعة : العفاريت مِقيّلة ! ! لكن أَفِي الجنة قيلولة وليس فيها حَرٌّ ، ولا برد ، ولا زمهرير ؟ قالوا : القيلولة تعني محلّ فراغ الإنسان لخاصة نفسه ، أَلا ترى أن الحق - تبارك وتعالى - حينما ذكر أوقات الاستئذان في سورة النور جعل منها هذا الوقت ، فقال سبحانه : { وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ … } [ النور : 58 ] فأمر الصغار أن يستأذنوا علينا في هذا الوقت لأنه من أوقات العورة . إذن : المستقر شيء ، والمقيل للراحة النفسية الشخصية شيء آخر ، لأنك قد تستقر في مكان ومعك غيرك ، أمَّا المقيل فمكان خاصّ بك ، إذن : لك في الجنة مكانان : عام وخاص لذلك قالوا في قول الله تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] قالوا : جنة عامة وجنة خاصة ، كما يكون لك مكان لاستقبال الضيوف ، ومكان لخاصّة نفسك وأهلك . ويقول الحق سبحانه : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ … } .