Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 26-26)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إنْ كانت الدنيا يُملِّك اللهُ فيها بعض خَلْقه بعض خَلْقه ، كما قال سبحانه : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ … } [ آل عمران : 26 ] وقلنا : فَرْق بين المِلْك والمُلْك : المِلْك كل ما تملك ولو كان حتى ثوبك الذي ترتديه فهو مِلك ، أمّا المُلْك فهو أن تملك مَنْ يملك ، وهذا يعطيه الله تعالى ، ويهبه لمن يشاء من باطن مُلْكه تعالى ، كما أعطاه للذي حاجّ خليلَه إبراهيم عليه السلام : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ … } [ البقرة : 258 ] . هذا في الدنيا ، أما في الآخرة فلا مِلْك ولا مُلْك لأحد ، فقد سلب هذا كله ، والملْك اليوم لله وحده : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . إذن : فما في يدك من مُلْك الدنيا مُلْك غير مستقر ، سرعان مان يُسلَب منك لذلك يقول أحد العارفين للخليفة : لو دام الملْك لغيرك ما وصل إليك ، فالمسألة ليست ذاتية فيك ، فمُلْكك من باطن مُلْك الله تعالى صاحب الملك ، وهو الملك الحق ، فمُلْكه تعالى ثابت مستقر ، لا ينتقل ولا يزول . وإن انتقلتْ الملكية في الدنيا من شخص لآخر فإنها تُجمَع يوم القيامة في يده تعالى ، وتجمّع الملْك والسلطة في يد واحدة إنْ كانت ممقوتة عندنا في الدنيا ، حيث نكره الاحتكار والدكتاتورية التي تجعل السلطة والقهر في يد واحدة ، إنْ كانت هذه مذمومة في البشر فهي محمودة عند الله تعالى لأنها تتركز في الدنيا في يد واحد صاحب هوى . أما في الآخرة فهي في يده تعالى ، فالرحمة في الدنيا أن يوزع الملْك والسلطان ، والرحمة في الآخرة أن تُجمع في يده تعالى : { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ … } [ الفرقان : 26 ] إذن : اجتماع الملْك يوم القيامة لله تعالى من مظاهر الرحمة بنا ، فلا تأخذها على أنها احتكار أو جبروت لأنها في يد الرحمن الرحيم . وكأن الحق - تبارك وتعالى - يُطمئنك : لا تقلق ، فالملْك يوم القيامة ليس لأحد تخاف أن تقع تحت سطوته ، إنما الملك يومئذ الحق للرحمن . والحق : الشيء الثابت الذي لا يتغير ، وما دام ثابتاً لا يتغير فهو لا يتناقض ولا يتعارض ، فالرجل إذا كلّمك بكلام له واقع في الحياة وطلبتَ منه أن يعيده لك أعاده ألف مرة ، دون أن يُغيّر منه شيئاً ، لماذا ؟ لأنه يقول من خلال ما يستوحي من الحقيقة التي شاهدها ، أمّا إنْ كان كاذباً فإنه لا يستوحي شيئاً لذلك لا بُدَّ أن يختلف قوله في كل مرة عن الأخرى لذلك قالوا : إنْ كنتَ كذوباً فكُنْ ذكوراً . ومن رحمانيته تعالى أن يقول سبحانه : { وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } [ الفرقان : 26 ] فينبهنا إلى الخطر قبل الوقوع فيه ، وهذه رحمة بنا أن ينصحنا ربنا ويعدل لنا ، وإلا لو فاجأنا بالعقوبة لكان الأمر صعباً . فإن ذكرت المقابل تقول إنه يسير على المؤمنين ، فاحرص أيها الإنسان أن تكون من الميسّر لهم لا من المعسّر عليهم . ثم يقول الحق سبحانه : { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ … } .