Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 27-27)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه عدّة أيام ذكرتها هذه الآيات : { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ … } [ الفرقان : 22 ] ، { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ … } [ الفرقان : 25 ] ، { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ … } [ الفرقان : 26 ] ، { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ … } [ الفرقان : 27 ] فيوم القيامة جامع لهذا كله . وقلنا : إن الظالم : الذي يأخذ حَقَّ غيره ، والحق - تبارك وتعالى - يُوضِّح هذا الظلم بقوله تعالى : { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ البقرة : 57 ] . لأنهم لا يقدرون على ظُلْم الله تعالى ، ولا على ظُلْم النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلمة الله ورسوله هي العُلْيا ، وسينتصر دين الله في نهاية المطاف . ومع ذلك يعاقبهم الله تعالى على ظلمهم لأنفسهم ، فنِعْم الإله إله يفعل هذا مع مَنْ عصاه . والكافر حتى في مظهرية ظُلْمه للغير يظلم نفسه لأنه يضعها في موضع المسئولية عن هذه المظالم . إذن : لو حقَّق الإنسان الظلم لوجده لا يعود إلا على الظالم نفسه . وحين يرى الظالمُ عاقبةَ ظُلْمه ، ويعاين جزاء فِعْله يعضُّ على يديْه ندماً وحَسْرة . والعَضُّ : انطباق الفكيْن الأعلى والأسفل على شيء ، وللعضِّ مراحل تتناسب مع المُفْزع الذي يُلجىء الإنسانَ له ، وفي موضع آخر يقول سبحانه : { وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ … } [ آل عمران : 119 ] . والأنامل : أطراف الأصابع وعَضُّها من الغيظ عادة معروفة حينما يتعرّض الإنسان لموقف يصعُب عليه التصرف فيه فيعضُّ على أنامله عَضّاً يناسب الموقف والحدث ، فإنْ كان الحدث أعظمَ ناسبه أنْ يعضّ يده لا مجرد أصابعه ، فإنْ عظم عَضَّ على يديْه معاً كما يحدث لهم في الآية التي معنا : { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ … } [ الفرقان : 27 ] لأنه في موقف حسرة وندم على الفرصة التي فاتته ولن تعود ، والخطأ الذي لا يمكن تداركه لذلك يُعذِّب نفسه قبل أن يأتيه العذاب . فيعضُّ على يديْه معاً ، فكأن الأمر المُفْزِع الذي يعاينه بلغ الغاية لذلك عضَّ على يديه ليبلغ الغاية في المعضوض ، وهو العاضّ والمعضوض ، ولا يُعذِّب نفسه بهذه الطريقة إلا مَنْ يئس من النجاة . ثم يُبيِّن علة ذلك : { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } [ الفرقان : 27 ] وإنْ كانت هذه الآية قد نزلت في حدث مخصوص وفي شخص بعينه ، فإنها تعمّ كل مَنْ فعل هذا ، فالعبرة - كما يقولون - بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فهذا جزاء كل ظالم حَادَ عن الجادة . وهذه الآية " نزلت في حدث خاص باثنين : عقبة بن أبي معيط ، وكان رجلاً كريماً يُطعم الطعام ، وقد دعا مرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه ، لكن رسول الله اعتذر له وقال : لا أستطيع أن أحضر طعامك إلا أنْ تشهد أن : لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، فلما شهد الرجل الشهادتين زاره رسول الله وأكل من طعامه ، فأغضب ذلك أمية ابن خلف صاحب عقبة فقال له : لقد صبوتَ يا عقبة ، فقال عقبة : والله ما قلتُ ذلك إلا لأنني أحببتُ أن يأكلَ محمد عندي كما يأكل الناس ، فقال أمية : فلا يبرئك مني إلا أنْ تذهب إلى محمد في دار الندوة فتطأ عنقة وتبصق … إلخ ، وفعل عقبة ما أشار عليه به صاحبه " فنزلت الآية : { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } [ الفرقان : 27 ] والمراد بالسبيل قوله : لا إله إلا الله محمد رسول الله . ثم يقول : { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ … } .