Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 31-31)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وإذا لم يكُنْ للرسول أعداء ، فلماذا جاء ؟ لو انتظرنا من الجميع ساعةَ يأتي الرسول أنْ يُصدقوه ويؤمنوا به إذن : فلماذا جاء الرسول ؟ لا يأتي الرسول إلى إذا طَمَّ الفساد وعَمّ ، كما أننا لا نأتي بالطبيب إلا إذا حدث مرض أو وباء . وهؤلاء القوم كانت لهم سيادة ومكانة ، وقد جاء الإسلام ليُسوّي بين الناس ، ويسلب هؤلاء سيادتهم ، فلا بُدَّ أن يقفوا منه موقف العداء ، وهذا العداء هو حيثية وجود الرسول فيهم . وليس النبي صلى الله عليه وسلم بِدْعاً في ذلك ، فما من نبي إلا وكان له أعداء ، مع أن الأنبياء السابقين كان النبي منهم في فترة زمنية محدودة وفي مكان محدود . أما رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فكانت رسالة عامة في الزمان وفي المكان ، ولا بُدَّ أنْ يتناسب العداء - إذن - مع انتشار الرسالة وعمومها في الزمان والمكان إلى قيام الساعة وعلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُوطِّن نفسه على ذلك . وكلمة عدو من الكلمات التي تُطلق مفردة ، وتشمل المثنى والجمع ، ومن ذلك قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 77 ] . وفي سورة الكهف : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ … } [ الكهف : 50 ] ولم يقل : أعداء . وفي بعض الآيات تأتي بصيغة الجمع كما في قوله تعالى : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ … } [ آل عمران : 103 ] فلو كانت قضية لغوية لجاءتْ بصيغة المفرد في كل الآيات . لكن لماذا عدلَ القرآن هنا عن صيغة المفرد إلى صيغة الجمع ؟ قالوا : إنْ كانت العداوة من المفرد والمثنى والجمع عداوة واحدة قال : عدو بصيغة المفرد لاتحاد سبب العداوة ، فإنْ كانت العداوات مختلفة : هذا يعاديك لشرفك ، وهذا يعاديك لعلمك ، وهذا يعاديك لمالك ، فتعددت أسباب العداوة قال أعداء أما في مسألة الإيمان واليقين بالنسبة للكافرين فالعداوة واحدة ، لكن في أمور الدنيا العداوات متعددة : هذا يعاديك لكذا ، وهذا يعاديك لكذا لأنه مخالف لهواه . وحينما تحدثنا عن قوله تعالى : { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ … } [ النور : 61 ] كلها بصيغة الجمع إلا في قوله تعالى : { أَوْ صَدِيقِكُمْ … } [ النور : 61 ] بصيغة المفرد ، لماذا ؟ لأن صداقة المؤمنين ينبغي ألاَّ تكون إلا لمعنى واحد ، هو الحب لله ، وفي الله ، لا ينبغي أن يكون لك صديق لكذا وصديق لكذا . وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأنْ يحبَّ المرءَ لا يُحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار " . فإذا كان أصدقاؤك يحبونك لله ، فهم جميعاً كصديق واحد . وقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ … } [ الفرقان : 31 ] يعني : كأعدائك الذين اتخذوا القرآن مهجوراً ، والذين وقفوا منك موقف التعنت والإيذاء والسخرية . { جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ … } [ الفرقان : 31 ] أي : الذين يُجرِمون يعني : يرتكبون الجرائم ، وهي المعاصي والذنوب حَسْب مدلولاتها . الحق - تبارك وتعالى - حينما يكشف لرسوله صلى الله عليه وسلم حقيقة أعدائه ، وأنهم كثيرون ، وأنهم مجرمون إنما ليوَطِّن نفسه على ذلك ، فلا يُفَاجأ به ، ويتحمل أذاهم إنْ أصابوه بسوء . وهذه المسألة كالمصْل والتحصين الذي يعطونه للناس لمواجهة المرض قبل حدوثه ، فالحق سبحانه يعطي رسوله المناعة اللازمة لمواجهة أعداء الدعوة . لذلك نجد " تشرشل " القائد البريطاني الذي ساس الحرب العالمية الثانية كان يواجه جنوده بالحقائق أفظع مما هي في الواقع ليُوطِّن شعبه على قوة التحمل ، وعلى التصدِّي للصعوبات الشديدة ، ومهما واجههم من مصاعب قال لهم ما زال هناك المزيد منها ، حتى إذا ما حدث ذلك كانوا على استعداد له . وقوله تعالى : { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً } [ الفرقان : 31 ] أي : أن الله تعالى سيهديك إلى الطريق الذي بمقتضاه تنتصر على هؤلاء جميعاً . وسبق أن ذكرنا عن الفاروق عمر - رضي الله عنه - أنه حينما نزل قوله تعالى : { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [ القمر : 45 ] قال : أيُّ جمع هذا ؟ يعني تعجب كيف سنهزم هؤلاء ونحن الآن عاجزون حتى عن حماية أنفسنا ؟ ولا نبيت إلا في السلاح ، ولا نصبح إلا في السلاح نخاف أن يتخطفنا الناس ، فلما وقعتْ بدر وهُزِم المشركون وحُصدت أرواح صناديدهم قال : صدق الله : { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [ القمر : 45 ] . كيف حدث هذا ؟ حدث من هداية الله لرسوله صلى الله عليه وسلم إلى أسباب النصر ، والحق - تبارك وتعالى - ينصر بالشيء وينصر بضده ، وقد اجتمع في بدر سادات قريش وأقوياؤها وأغنياؤها وصناديد الكفر بها ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذه مكة ، قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها " ، وقد خرجوا جميعاً على حال الاستعداد للحرب ، أما المؤمنون فقد كانوا قِلَّة مستضعفين على غير استعداد للحرب ، ومع ذلك نصرهم الله . والحق سبحانه يُطمئن رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه : { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ … } [ البقرة : 249 ] . وقال تعالى : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] . وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا … } [ الرعد : 41 ] أي : ننقص من أرض الكفر ، ونزيد في أرض الإيمان ، والحق سبحانه أخبرنا بقضايا ، يجب أن تُوجَد أحداث في الحياة والواقع خادمةً لتصديق هذه القضايا . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ … } .