Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 30-30)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القوم : قوْم الرجل : أهله وعشيرته والمقيمون معه ويجمعهم : إما أرض ، وإما دين . وسُمُّوا قَوْماً لأنهم هم الذين يقومون على أمر الأشياء ، فهم الرجال خاصة لأن النساء المفروض فيهن السكن والقرار في البيوت . والحق - تبارك وتعالى - يوضح لنا هذا الفرق في قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ … } [ الحجرات : 11 ] إذن : فالقوم هم الرجال خاصة . ومن ذلك أيضاً قول الشاعر : @ وَمَا أدري ولَسْتُ إخَالُ أَدْرِي أَقُوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ @@ وقوله تعالى : { إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً } [ الفرقان : 30 ] أضاف القوم إليه - صلى الله عليه وسلم - لأنه منهم يعرفونه ويعرفون أصْله ، وقد شهدوا له بالصدق والأمانة ومكارم الأخلاق قبل أن يُبعثَ ، وكان عندهم مؤتمناً على نفائس أموالهم لذل خاطبهم الحق تبارك وتعالى بقوله : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] . إذن : فالرسول ليس بعيداً عنكم ، ولا مجهولاً لكم ، فمَنْ لم يؤمن به كرسول ينبغي أنْ يؤمن به كأسْوة وقدوة سلوك لسابق تاريخه فيكم . لذلك نرى أن سيدنا أبا بكر ما انتظر من رسول الله دعوةً ، ولا أنْ يقرأ له قرآناً ، أو يُظهِر له معجزة ، إنما آمن وصدَّق بمجرد أن قال رسول الله ، فما دام قد قال فقد صدق ، ليس بمعجزة رآها أبو بكر ، إنما برصيده القديم في معرفة رسول الله في سلوكه وخُلُقه ، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليَدع الكذب على الخَلْق ، ويكذب على الخالق . وكذلك السيدة خديجة : هل انتظرت من رسول الله ما يُثبت نبوته ؟ إنها بمجرد أن قال رسول الله صدَّقتْ به ، ووقفت بجانبه وثبَّتته وهدَّأتْ من روعه ، وقالت له : " والله لا يُسلمك الله أبداً ، إنك لتصِلُ الرحم ، وتحمل الكَلَّ ، وتعين على نوائب الدهر " . ومعنى : { مَهْجُوراً } [ الفرقان : 30 ] من الهجر وهو قَطْع الصلة ، فإنْ كانت من جانب واحد فهي هَجْر ، وإن كانت من الجانبين فهي هاجراً . والمعنى : أنهم هجروا القرآن ، وقطعوا الصلة بينهم وبينه ، وهذا يعني أنهم انقطعوا عن الألوهية وانقطعوا عن الرسالة المحمدية ، فلم يأخذوا أدلة اليقين العقدية ، وانقطعوا عن الرسالة المحمدية حينما كذَّبوا بها ، وانقطعوا عن الأحكام حينما عَصَوْها ، وبذلك اتخذوا هذا القرآن مهجوراً في كل هذه المسائل : العقائد والعبادات والتصديق بالرسول . مع أن العرب لو فهموا قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ … } [ الزخرف : 44 ] لمجّدوا القرآن وتمسَّكوا به ، فهو الذي عصمهم وعصم لغتهم ، وأعْلَى ذِكْرهم بين الأمم ، ولو أن كل أمة من الأمم المعاصرة أخذتْ لهجتها الخاصة الوطنية ، وجعلت منها لغةً لتلاشت العربية كلغة . وفي كثير من بلدان الوطن العربي لو حدَّثوك بلهجتهم الخاصة لا تفهم منها شيئاً ، ولولا أن الفُصْحى لغة القرآن تربط بين هذه اللهجات لأصبحتْ كلٌّ منها لغةً خاصة ، كما حدث في اللغات اللاتينية التي تولدت منها الفرنسية والإيطالية والألمانية والإنجليزية ، ولكل منها أسسها وقواعدها الخاصة بها ، وكانت في الأصل لغة واحدة ، إلا أنها لا رابطَ لها من كتاب مقدس . فالحق - تبارك وتعالى - يُنبِّههم إلى أن القرآن فيه ذِكْرهم وشرفهم وعزتهم ، وفيه شهرتهم وصيتهم ، فالقرآن جعل العرب على كل لسان ، ولولاه لذابوا بين الأمم كما ذابتْ قبلهم أمم وحضارات لم يسمع عنها أحد . لذلك يقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " إنْ تؤمنوا بما جئت به يكُنْ حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوا عليَّ قولي صبرتُ حتى يحكم الله بيني وبينكم " .