Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 47-47)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلَّيْلَ … } [ الفرقان : 47 ] يعني : الظلْمة لا الظل ، فالظلمة هي التي منعتْ النور ، وإياك أن تظن أن الظلمة ضد النور ، وتحاول أنت أن تنسخ الظلمة بنور من عندك ، وهذه آفة الحضارة الآن أنْ جعلتَ الليل نهاراً . وقد تنبه العلماء أخيراً إلى مدى ضرر الأشعة على صحة الإنسان ، لذلك جاء في الحديث الشريف : " أطفئوا المصابيح إذا رقدتم " فالشعاع له عمل وقت حركتك ، لكن ساعة نومك وراحتك ليس له مهمة ، بل هو ضار في هذا الوقت . والحق - تبارك وتعالى - يمتنُّ علينا بالليل والنهار ، فيقول : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [ القصص : 71 - 72 ] . إذن : فلليل مهمة ، وللنهار مهمة يُوضِّحها هنا الحق سبحانه بقوله : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِبَاساً … } [ الفرقان : 47 ] أي : ساتراً ، كما أن اللباس يستر الجسم ، والنوم ردع ذاتي يقهر الكائن الحي ، وليس ردعاً اختيارياً . لذلك تلاحظ أنك إنْ أردت أنْ تنامَ في غير وقت النوم تتعب وترهق ، أمّا إنْ أتاك النوم فتسكن وتهدأ ، ومن هنا قالوا : النوم ضيف ثقيل إنْ طلبته أَعْنَتكَ ، وإنْ طلبك أراحك . لذلك ساعة يطلبك النوم تنام مِلْء جفونك ، ولو على الحصى يغلبك النوم فتنام ، وكأن النوم يقول لك : اهمد واسترح ، فلم تَعُدْ صالحاً للحركة ، أما مَنْ غالب هذه الطبيعة فأخذ مثلاً حبوباً تساعده على السهر ، فإنْ سهر ليلة نام بعدها ليلتين ، كما أن الذي يغالب النوم تأتي حركته مضطربة غير متوازنة . فعليك - إذن - أن تخضع لهذه الطبيعة التي خلقك الله عليها وتستسلم للنوم إنْ ألحَّ عليك ، ولا تكابر لتقوم في الصباح نشيطاً وتستأنف حركة حياتك قوياً صالحاً للعمل وللعطاء . وللصوفية في النوم مَلْحظ دقيق يُبْنَى على أن الكون كله غير المختار مُسبِّح لربه ، كما قال تعالى : { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ … } [ النور : 41 ] وعليه ، فذرات الكافر في ذاتها مؤمنة ، يؤلمها ويغيظها أن صاحبها عَاصٍ أو كافر فتطيعه ، وهي كارهة لفعله بدليل أنها ستشهد عليه يوم القيامة ، فإنْ كانت مُسخَّرة لمراداته في الدنيا فإنها ستتحرر من هذه الإرادة في الآخرة . فاللسان مُسخَّر لصاحبه ، إنْ شاء نطق به الشهادتين ، وإنْ شاء نطق به كلمة الكفر لأنه مقهور لإرادته ، أما في القيامة فلا إرادة إلا للحق تبارك وتعالى . وفي النوم ترتاح هذه الجوارح وهذه الذرات من سيئات صاحبها ومن ذنوبه ، تستريح من نكده وإكراهه لها على معصية الله . فالنوم رَدْع طاقيّ ، فلم يَعُد الإنسان صالحاً للحركة ، ولا للتعايش السالم مع جوارحه ، لقد كثُرتْ ذنوبه ومعاصيه حتى ضاقتْ بها الجوارح ، فيأتي النوم ليريحها . وهذه الظاهرة نشاهدها مثلاً في موسم الحج ، يقول لك الحاج : يكفيني أنْ أنامَ في اليوم ساعة أو ساعتين لماذا ؟ لأن السيئات في هذا المكان قليلة ، فجوارحك في راحة وانسجام معك فلا تحملك على النوم ، أمّا العاصي فلا يكفيه أن ينام عشرة ساعات لأن جوارحه وأعضاءه مُتْعَبة متضايقة من أفعاله . وهذه نُفسِّر بها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه ذلك لأن جوارحه صلى الله عليه وسلم تصحبه خير صُحْبة ، فهي في طاعة دائمة مستمرة ، فكيف تحمله على أنْ ينام ؟ والخالق - عز وجل - يعامل الناس على المعنى العام ، فالنفوس دائماً ميَّالة للشر جانحة للسوء لذلك تتعب الطاقة وتتعب الجوارح ، وكأن الله تعالى يريد إحداث هُدْنة للتعايش بينك وبين جوارحك ، نَمْ لتصبح نشيطاً . ومعنى { وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً … } [ الفرقان : 47 ] السّبْت أي : القطْع . فمعنى { سُبَاتاً … } [ الفرقان : 47 ] يعني : قاطعاً للحركة ، لا انقطاعاً نهائياً ، إنما انقطاعاً مُسْتأنفاً لحركة أفضل ، وبدن أقوى وأصحّ ، فالذي يقضي ليله ساهراً يقوم من نومه مُتْعباً مُضطرباً ، على خلاف مَنْ جعل وقت النوم للنوم لأن الخالق عز وجل جعل نومك بالليل على قَدْر ما تتحرك بالنهار ، فإنْ أردتَ حركة مُتزنة نشيطة وقوية فنَمْ على مقدار هذه الحركة . وقوله تعالى : { وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } [ الفرقان : 47 ] النشور مثل الشُّكور : { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } [ الإنسان : 9 ] أي : شكر ، وكذلك النشور أي نشر ، والنشر يعني الانطلاق في الأرض بالحركة ، كما في قوله تعالى : { فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ … } [ الجمعة : 10 ] . ثم يقول سبحانه : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ … } .