Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 48-48)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلنا : إن الرياح إذا جاءت هكذا بصيغة الجمع دلَّتْ على الخير ، وإنْ جاءتْ مفردة فهي آتية بالشر ، وإذا نظرتَ إلى الجبال العالية وإلى ناطحات السحاب تقول : ما الذي يقيم هذه المباني العالية ، فلا تميل ؟ الذي يمسكها هو الهواء الذي يحيط بها من كل ناحية ، ولو فرَّغْتَ الهواء من أحد نواحيها تنهار فوراً . إذن : فالريح من هنا ، ومن هنا ، ومن هنا ، فهي رياح متعددة تُصلِح ولا تُفسِد ، وتُحدِث هذا التوازن الذي نراه في الكون ، أمّا الريح التي تأتي من ناحية واحدة فهي مدمرة مهلكة ، كما جاء في قوله تعالى : { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } [ الحاقة : 6 ] . وقال الحق سبحانه وتعالى : { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الأحقاف : 24 ] . ومعنى { بُشْراً … } [ الفرقان : 48 ] بسكون الشين ، مع أنها في الأصل بُشُراً مثل رُسُل ، فلما خُفِّفَتْ صارت بُشْراً ، والبُشْرى هي الإخبار بما يسرُّ قبل زمنه ، فلا تقول يبشر إلا في الخير ، وكان العربي ساعة تمر عليه الرياح يعرف كم بينه وبين المطر ، فيحكم على مجيء المطر بحركة الرياح الطرية التي تداعب خدّه . وقوله سبحانه : { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ … } [ الفرقان : 48 ] يقال : بين يديك يعني : أمامك . والمراد هنا المطر الذي يسبق رحمة الله . ثم يقول تعالى : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } [ الفرقان : 48 ] السماء لها معنى لُغوي ، ومعنى شرعي . فهي لغةً : كل ما علاك ، وشرعاً : هي هذه السماء العالية والتي تتكون من سبع سماوات ، لكن أينزل المطر من السماء أم من جهة السماء ؟ المطر ينزل من الغمام من جهة السماء ، والغمام أصله من الأرض نتيجة عملية البخر الذي يتجمع في طبقات الجو ، كما قال سبحانه : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ … } [ النور : 43 ] . إذن : فرحمة الله هي الماء الذي خلق الله منه كلّ شيء حيٍّ . وقوله تعالى : { مَآءً طَهُوراً } [ الفرقان : 48 ] الطَّهُور : الماء الطاهر في ذاته ، المطهِّر لغيره ، فالماء الذي تتوضأ به طاهر ومطهر ، أما بعد أنْ تتوضأ به فهو طاهر في ذاته غير مُطهِّر لغيره ، وماء السماء طاهر ومُطهر لأنه مُصفّى مُقطّر ، والماء المقطر أنقى ماء . بالإضافة إلى أن الماء قِوَام الحياة ، منه نشرب ونسقي الزرع والحيوان والطير ، فالماء يعطيك الحياة ويعطيك الطهارة . ثم يقول الحق سبحانه : { لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ … } .