Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 4-4)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن تكلم الفرقان وفرَق في مسألة القمة والألوهية واتخاذ الولد والشركاء ، وبيَّن الإله الحق من الإله الباطل ، أراد سبحانه أنْ يتكلّم عن الفرقان في الرسالة ، فيحكى ما قاله الكفار عن القرآن { إِنْ هَـٰذَا … } [ الفرقان : 4 ] يعني : ما هذا - أي القرآن - الذي يقوله محمد { إِلاَّ إِفْكٌ } [ الفرقان : 4 ] الإفك : تعمُّد الكذب الذي يقلب الحقائق ، وسبق أن قُلْنا : إن النسبة الكلامية إنْ وافقت الواقع فهي صِدْق ، وإنْ خالفتْه فهي كذب . والإفْك قَلْب للواقع يجعل الموجود غير موجود ، وغير الموجود موجوداً ، كما جاء في حادثة الإفك حين اتهموا عائشة أم المؤمنين بما يخالف الواقع ، فالواقع أن صفوان أناخ لها ناقته حتى ركبت دون أن ينظر إليها ، وهذا يدل على مُنْتهى العِفَّة والصيانة ، وهُمْ بالإفك جعلوا الطُّهْر والعفة عُهْراً . ومن العجيب أن هؤلاء الذين اتهموا القرآن بأنه إفك هم أنفسهم الذين قالوا عنه : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . فهم يعترفون بالقرآن ويشهدون له ، لكن يُتعبهم ويُنغِّص عليهم أن يُنزل على محمد بالذات ، فلو نزل - فرضاً - على غير محمد لآمنوا به . ومن حُمْقهم أن يقولوا : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] . والمنطق أن يقولوا فاهْدنا إليه ، لكنه العناد والمكابرة . وقوله : { ٱفْتَرَاهُ … } [ الفرقان : 4 ] أي : ادعاه ، وعجيب أمر هؤلاء ، يتهمون القرآن بأنه إفك مُفْترى ، فلماذا لا يفترون هم أيضاً مِثْله ، وهم أمة بلاغة وبيان ؟ ! وفي موضع آخر يقول تعالى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [ النحل : 103 ] . وقديماً قالوا : إنْ كنتَ كذوباً فكُنْ ذكوراً ، وإلا فكيف تتهمون محمداً أن رجلاً أعجمياً يُعلِّمه القرآن ، والقرآن عربي ؟ وقوله تعالى : { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ … } [ الفرقان : 4 ] الذي قال هذه المقولة هو النضر بن الحارث ، ولما قالها رددها بعده آخرون أمثال : عدَّاس ، ويسَّار ، وأبي فكيهة الرومي ، والقرآن يرد على كل هذه الاتهامات : { فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً } [ الفرقان : 4 ] أي : حكموا به والظلم هو : الحكم بغير الحق ، والزّور هو : عُدَّة الحكم ودليله . والظلم يأتي بعد الزور ، لأن القاضي يستمع أولاً إلى الشهادة ، ثم يُرتِّب عليها الحكم ، فإن كانت الشهادةُ شهادةَ زور كان الحكم حينئذ ظلماً . لكن الحق - تبارك وتعالى - يقول { ظُلْماً وَزُوراً } [ الفرقان : 4 ] وهذا دليل على أن الحكم جاء منهم مُسبقاً ، ثم التمسوا له دليلاً . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ … } .