Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 3-3)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : أتوْا بآلهة غير الله ، هذه الآلهة بإقرارهم وبشهادتهم وواقعهم لا تخلق شيئاً ، ويا ليتها فقط لا تخلق شيئاً ، ولكن هي أنفسها مخلوقة ، فاجتمع فيها الأمران . وهذه من الآيات التي وقف عندها المستشرقون وقالوا : إن فيها شبهة تناقض لأن الله - سبحانه وتعالى - قال : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] فأثبت أن معه آخرين لهم صفة الخَلْق ، بدليل أنه جمعهم معه ، وهو سبحانه أحسنهم . وفي موضع آخر يقول سبحانه : { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ … } [ آل عمران : 49 ] . وللردِّ على هؤلاء نقول : تعالوْا أولاً نفهم معنى الخَلْق ، الخَلْق : إيجاد لمعدوم ، كما مثّلْنا سابقاً بصناعة كوب الزجاج من صَهْر بعض المواد ، فالكوب كان معدوماً وهو أوجده ، لكن من شيء موجود ، كما أن الكوب يجمد على حالته ، لكن الحق سبحانه وتعالى يُوجِد من معدوم : معدوماً من معدوم ، ويُوجده على هيئة فيها حياة ونمو وتكاثر من ذاته ، كما قال سبحانه : { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الذاريات : 49 ] . والذين يصنعون الآن الورد الصناعي ، ويحاولون جاهدين مُضَاهاة الورد الطبيعي الذي خلقه ، فيضعون عليه رائحة الورد ليتوفر لها الشكل والرائحة ، ثم ترى الوردة الصناعية زاهية لا تذبُل ، لكن العظمة في الوردة الطبيعية أنها تذبل لأن ذُبولها يدلُّ على أن بها حياة . لذلك سمَّى اللهُ الإنسانَ خالقاً ، فأنصفه واحترم إيجاده للمعدوم ، لكنه سبحانه أحسنُ الخالقين ، ووَجْه الحُسْن أن الله تعالى خلق من لا شيء ، وأنت خلقتَ من موجود ، الله خلق خَلْقاً فيه حياة ونمو وتكاثر ، وأنت خلقتَ شيئاً جامداً على حالته الأولى ، ومع ذلك أنصفك ربك . ففي قوله تعالى : { أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ … } [ آل عمران : 49 ] معلوم أنه في مقدور كل إنسان أنْ يُصوِّر من الطين طَيْراً ؟ ويُصمِّمه على شكله ، لكن أَيُقال له : إنه خلق بهذا التصوير طَيْراً ؟ وهل العظمة في تصويره على هيئة الطير ؟ العظمة في أنْ تبعثَ فيه الحياة ، وهذه لا تكون إلا من عند الله لذلك قال عيسى عليه السلام : { فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ … } [ آل عمران : 49 ] . فإنْ سلَّمْنا أنهم يخلقون شيئاً فهم في ذات الوقت مخلوقون ، والأدْهَى من هذا أن الذي يتخذونه إلهاً لا يستطيع حتى أن يحمي نفسه أو يقيمها ، إنْ أطاحتْ به الريح ، وإنْ كُسِر ذراع الإله أخذوه لِيُرمموه ، الإله في يد العامل ليصلحه ! ! شيء عجيب وعقليات حمقاء . لذلك يقول تعالى عن آلهتهم : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } [ الحج : 73 ] . ثم يقول سبحانه : { وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً … } [ الفرقان : 3 ] يعني : لا تنفعهم إنْ عبدوها ، ولا تضرّهم إنْ كفروا بها { وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـاةً وَلاَ نُشُوراً } [ الفرقان : 3 ] أي : موتاً أو حياة لغيرهم ، فهم لا يملكون شيئاً من هذا كله ، لأنه من صفات الإله الحق الذي يُحيي ويُميت ، ثم ينشر الناس في الآخرة . إذن : للإنسان مراحل متعددة ، فبعد أنْ كان عَدَماً أوجده الله ، ثم يطرأ عليه الموت فيموت ، ثم يبعثه الله ، ويُحييه حياة الآخرة . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ … } .