Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 55-55)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني : أيليق بهم بعد أنْ أوضحنا لهم كلَّ هذه الآيات أنْ يلتفتوا إلى غير الله ، ويقصدوه بالعبادة ؟ وقوله تعالى : { مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ … } [ الفرقان : 55 ] البعض يرى أن هذه الآلهة نعم لا تنفع لكنها تضر ، نقول لهم : هي لا تنفع ، ولا تضر ، أمَّا الذي يضر فهو الإله الحق الذي انصرفوا عنه إلى عبادة غيره ، والمعنى هنا : { مَا لاَ يَنفَعُهُمْ … } [ الفرقان : 55 ] إنْ عبدوه { وَلاَ يَضُرُّهُمْ } [ الفرقان : 55 ] إنْ كفروا به وتركوه . والقرآن يُسمِّي فعلهم من هذه الآلهة عبادة ، وهم أنفسهم يقولون : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ … } [ الزمر : 3 ] . إذن : أثبتوا لهم عبادة ، والعبادة طاعة العابد للمعبود فيما يأمر به ، وفيما ينهي عنه ، فما الذي أمرتْهم به الأصنام ؟ وما الذي نهتْهم عنه ؟ فكلمة عبادة هنا خطأ ، وهم ما عبدوا هذه الآلهة إلا لأنها لا أوامر لها ولا التزام معها ، فتديّنهم تديّن فنطزية . وما أسهلَ أن تعبد إلهاً لا يأمرك ولا ينهاك ، والذي يكرهونه في التديُّن الحقيقي أنه التزام وتكليف : افعل كذا ، ولا تفعل كذا . لذلك ترى المسرفين على أنفسهم من خَلْق الله يتمنى كلٌّ منهم أن يكون هذا الدين كذباً ، لماذا ؟ ليسيروا على هواهم ، ويعملوا ما يحلو لهم . كذلك رأينا الدجالين الذين ادَّعَوْا النبوة بداية من مسيلمة وسجاح ، كيف كانوا يجذبون الناسَ إليهم ؟ كانوا يجذبونهم بتخفيف الأوامر وتبسيط الدين ، ولما شقَّتْ الزكاة على البعض أسقطوها من حسابهم ، وأعفَوْ الناس منها … إلخ . ولكل زمان دجالون يناسبون العصر الذي يعيشون فيه ، وفي عصرنا الحاضر دجالون يُخفِّفون عنك الدين ويُطوِّعونه لأهواء الناس ورغباتهم ، فلا مانع عندهم من الاختلاط ، ولا بأس في أن ترتدي المرأة من اللباس ما تشاء … إلى آخر هذه المسائل . ثم يقول سبحانه : { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } [ الفرقان : 55 ] . الظهير : هو المعين : كما ورد في قوله سبحانه وتعالى : { … وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [ التحريم : 4 ] . وكانوا في الماضي يحملون الأحمال على الظّهْر قبل اختراع آلات الحمل ، وحتى الآن نرى الشيالين يحملون الأثقال على ظهورهم ، ويخيطون لهم ظهرية يرتدونها على ظهورهم لتحميهم ساعة حَمْل الأثقال ، وإذا أراد أحدهم معاونة الآخر يقول له : أعطني ظهرك ، فكان الظهر إذن بهذا المعنى . والظهر أيضاً يقتضي العلو ، ومنه قوله تعالى عن السد الذي بناه ذو القرنين : { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } [ الكهف : 97 ] يعني : ما استطاعوا اعتلاءه . لكن ، كيف يكون الكافر ظهرياً على الله ؟ قالوا : لأنه يفعل المعصية ، ويتخذ أُسْوة فيها يُقلده الناس ، ولو كان طائعاً لكان أُسْوة خير ونموذجَ صلاحٍ ، فالكافر أسوة شر ، وأسوة فساد ، وهو شيطان الإنس الذي يوازي شيطان الجن الذي عصى ربه ، ورفض السجود لآدم . وتوعَّد ذريته حين قال : { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 39 ] . وكلٌّ من شياطين الجن وشياطين الإنس يستعين بالنفس فيُسلِّطها على صاحبها حتى تُوقعه ، فالإنسان حينما يستمع لنداء الشيطان ، سواء شيطان الإنس أو شيطان الجن ويطيعه بعمل المخالفة ، فإنه يُعينه على الله ، والمعنى الصحيح : على معصية الله . كما أن الظهير يُطلق على مَنْ جعلْتَه وراء ظهرك ، لا تأبه به ، ولا تلتفت إليه ، ومنه قول العرب : لا تجعلنَّ حاجتي منك بظهر يعني : اجعلها أمام عينيك لا تطوِها وراء ظهرك . إذن : فكِلاَ المعنيين جائز : ظهيراً أي : مُعِيناً ، كأن الحق - تبارك وتعالى - يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : اعلم يا محمد أن الكافر ظهير على الله ، فقِفْ له بالمرصاد ، وجاهده ما استعطتَ ، فكأنه تعالى يُحمِّس رسوله ليقف هذا الموقف ، ويُشجِّعه ليكون من عدوه على حَذَر وعلى يقظة . أو : ظهيراً لا يُؤبه له ، وهذا طمأنه لرسول الله ، فالكافر هَيِّن على الله ، فلا يهمك كيدهم . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً … } .