Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 54-54)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفي آية عامة عن الماء ، قال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ … } [ الأنبياء : 30 ] يعني : كل شيء فيه حياة فهو من الماء ، لا أن الماء داخل في كل شيء ، فالمعنى : { كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ … } [ الأنبياء : 30 ] أي : كل شيء موصوف بأنه حي ، فالماء - إذن - دليل الحياة لذلك إذا أراد العلماء أن يقضوا على الميكروبات أو الفيروسات جعلوا لها دواءً يفصل عنها المائيةَ فتموت . والإنسان الذي كرَّمه الله تعالى وجعله أعلى الأجناس ، خلقه الله من الماء ، { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً … } [ الفرقان : 54 ] وفي موضع آخر قال سبحانه : { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } [ الطارق : 5 - 7 ] وهو ماء له خصوصية ، وهو المنيُّ الذي قال الله فيه : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } [ القيامة : 37 - 38 ] . والبشر أي : الإنس { فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً … } [ الفرقان : 54 ] فمن الماء خلق الله البشر ، وهم قسمان : ذكور وإناث ، فكلمة نَسَباً تعني : الذكورة وَصِهْراً تعني : الأنوثة لأن النسب يعني انتقال الأدنى من الأعلى بذكورة ، فيظل الإنسان فلان بن فلان بن فلان … الخ . فالنسب يأتي من ناحية الذكورة ، أما الأنوثة فلا يأتي نسب ، إنما مصاهرة ، حينما يتزوج رجل ابنتي ، أو أتزوج ابنته ، يُسمُّونه صِهْرا . لذلك قال الشاعر : @ وَإنَّما أُمَّهَاتُ القَوْمِ أَوْعِية مُسْتحدثَات ولِلأَحْسَابِ آبَاءُ @@ فمن عظمة الخالق - عز وجل - أن خلق من الماء هذيْن الشيئين ، كما قال في موضع آخر : { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ القيامة : 39 ] ، وقد توصَّل العلماء مُؤخّراً إلى أن بويضة الأنثى لا دَخْلَ لها في نوع الجنين ، وما هي إلا حاضنة للميكروب الذَّكَري الآتي من منيّ الرجل . وهذا معنى قوله تعالى : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ * فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ القيامة : 37 - 39 ] . فالذكر والأنثى كلاهما من المنيّ ، والذي يُطلق عليه العلماء الآن الإكس ، والإكس واي فالحيوان المنويّ يخرج من الرجل ، منه ما هو خاص بالذكورة ، ومنه ماهو خاص بالأنوثة ، ثم تتم عملية انتخاب للأقوى الذي يستطيع تلقيح البويضة . وهذه الظاهرة واضحة في النحل ، حيث تضع الملكة البيض ، ولا يُخصِّبها إلا الأقوى من الذكور ، لذلك تطير الملِكة على ارتفاعات عالية ، لماذا ؟ لتنتخب الأقوى من الذكور . كذلك الميكروب ينزل من الرجل ، والأقوى منه هو الذي يستطيع أن يسبق إلى بويضة المرأة ، فإنْ سبق الخاص بالذكورة كان ذكراً ، وإنْ سبق الخاص بالأنوثة كان أنثى ، والحق سبحانه قال : { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [ الأعلى : 2 - 3 ] . وبهذه الآية الكونية في خَلْق الإنسان نرد على الذين يحلو لهم أن يقولوا : إن الإنسان خُلِق صُدْفة ، فإذا كان الإنسان ذكراً وأنثى بينهما مواصفات مشتركة وأجهزة ومُقوِّمات واحدة ، إلا أن الذكَر يختلف في الجهاز التناسلي وكذلك الأنثى ، فهل يُردّ هذا الى الصدفة ؟ ومعلوم أن الصُّدْفة من أعدائها الاتفاق ، فإذا جاء الذكّر صدفة ، وجاءت الأنثى كذلك صدفة ، فهل من الصدفة أن يلتقيا على طريقة خاصة ، فيثمر هذا اللقاء أيضاً ذكورة وأنوثة ؟ ! إذن : المسألة ليست مصادفةً ، إنما هي غاية مقصودة للخالق عز وجل . ثم يقول سبحانه في ختام الآية { وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً } [ الفرقان : 54 ] وذكر سبحانه القدرة هنا لأن هذه مسألة دقيقة لا تحدث إلا بقدرة الله تعالى . وقد فَطِن العرب حتى قبل نزول القرآن إلى هذه العملية بالفطرة ، فهذه زوجة أبي حمزة تعاتبه لأنه تركها وتزوج من أخرى ، لأنها لم تَلِدْ له ذَكَراً ، فتقول : @ مَا لأَبي حَمْزةَ لاَ يَأْتِينَا غَضْبان أَلاَّ نَلِدَ البَنِينَا تَاللهِ ما ذَلكَ في أَيْدينا فَنَحْنُ كَالأرْضِ لِغَارِسينَا نُعطِي لَهُمْ مِثْلَ الذي أُعْطِينَا @@ وهذه المسألة التي فَطِن إليها العربي القديم لم يعرفها العلم إلا في القرن العشرين . وبعد هذه الآية الكونية يعود - سبحانه وتعالى - إلى خطابهم مرة أخرى لعل قلوبهم ترقّ ، فالحق - تبارك وتعالى - يتعهدهم مرة بالنُّصح ، ومرة بإظهار آياته تعالى في الكون .