Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 62-62)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عرفنا أن الليل : غياب الشمس عن نصف الكرة الأرضية ، والنهار مواجهة الشمس للنصف الآخر ، والليل والنهار متعاقبان { خِلْفَةً } الفرقان : 62 ] يأتي الليل ثم يعقبه النهار ، كل منهما خَلْف الآخر ، وهذه المسألة واضحة لنا الآن ، لكن كيف كانت البداية عندما خلق الله تعالى الخَلْق الأول ، فساعتها ، هل كانت الشمس مواجهة للأرض أم غائبة عنها ؟ إنْ كان الحق سبحانه خلق الشمس مواجهةً للأرض ، فالنهار هو الأول ، ثم تغيب الشمس ، ويأتي الليل ليخلف النهار ، أما النهار فلم يُسبق بليْل . وكذلك إنْ كانت الشمس عند الخَلْق غير مواجهة للأرض ، فالليل هو الأول ، ولا يسبقه نهار ، وفي كلتا الحالتين يكون أحدهما ليس خِلْفة للآخر ، ونحن نريد أن تصدُقَ الآية على كليْهما . إذن : لا بد أنهما خِلْفة منذ الخَلْق الأول ذلك لأن الأرض - كما عرفنا ولم يَعُدْ لدينا شك في هذه المسألة - كروية ، والحق - تبارك وتعالى - حينما خلق الشمس والقمر الخَلق الأول كان المواجه منها للشمس نهاراً ، والمواجه منها للقمر ليلاً ، ثم تدور حركة الكون ، فيخلف أحدهما الآخر منذ البداية . وهذه النظرية لا تستقيم إلا إذا قُلْنا بكروية الأرض ، وهذه يؤيدها قوله تعالى : { وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ … } [ يس : 40 ] . والمعنى أيضاً : ولا النهار سابق الليل ، لكن ذكر الليلَ لأنهم كانوا يعتقدون أن الليل خُلِق أولاً ، لماذا ؟ لأن الزمن عندهم يثبت بليله ، كما يحدث مثلاً في الصوم ، فهل تصوم أولاً في النهار ثم ترى الهلال بالليل ؟ إنما ترى الهلال بالليل أولاً ، فكأن رمضان يبدأ يومه بليله . وما دام الأمر كذلك فالليل سابقُ النهار عندهم ، وهذه قضية يعتقدونها ومُسلَّمة عندهم ، وجاء القرآن وخاطبهم على أساس هذا الاعتقاد : أنتم تعتقدون أن الليلَ سابقُ النهار يعني : النهار لا يسبق الليل ، نعم لكن : اعلموا أيضاً أن الليل لا يسبق النهار . إذن : المحصلة : لا الليلُ سابقُ النهار ، ولا النهار سابق الليل . ولو قلنا بأن الأرض مسطوحة لَمَا استقام لنا هذا القول . لكن أيّ ليل ؟ وأيّ نهار ؟ نهاري أنا ، أم نهار المقابل لي ؟ وكل واحد على مليون من الثانية يولد نهار ويبدأ ليل لأن الشمس حين تغيب عني تشرق على آخرين ، والظهر عندي يوافقه عصر أو مغرب أو عشاء عند آخرين . إذن : كل الزمن فيه الزمن ، وهذا الاختلاف في المواقيت يعني أن نغمة الأذان الله أكبر شائعة في كل الزمن ، فالله تعالى معبود بكل وقت وفي كل زمن ، فأنت تقول : الله أكبر وغيرك يقول : أشهد أن لا إله إلا الله … وهكذا . وإنْ كان الحق - تبارك وتعالى - خلق الليل للسُّبات وللراحة ، والنهار للسعي والعمل ، فهذه الجمهرة العامة لكنها قضية غير ثابتة ، حيث يوجد من مصالح الناس ما يتعارض وهذه المسألة ، فمن الناس مَنْ تقتضي طبيعة عمله أن يعمل بالليل كالخبازين والحراس والممرضين . . إلخ . فهؤلاء يُسمح لهم بالعمل بالليل والراحة بالنهار ، ولو لم يكُنْ لهؤلاء منفذ لقلنا : إن هذا الكلام متناقض مع كونيات الخَلْق لذلك يقول - سبحانه وتعالى - في آية أخرى : { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ … } [ الروم : 23 ] فتراعي هذه الآية ظروف هؤلاء الذين يضطرون للعمل ليلاً ، وللراحة نهاراً . وقوله تعالى : { لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } [ الفرقان : 62 ] يعني : يا مَنْ شغله نهار عمله عن ذكر ربه انتهِزْ فرصة الليل ، ويا مَنْ شغله نوم الليل عن ذِكْر ربه انتهز فرصة النهار ، وذلك كقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل " . فمَن فاته شيء في ليله فليتداركه في نهاره ، ومَنْ فاته شيء في نهاره فليتداركه في ليله ، وإذا كان الله تعالى يبسط يده بالليل ويبسط يده بالنهار ، وهما مستمران ، فمعنى ذلك أن يده تعالى مبسوطة دائماً . ومعنى { يَذَّكَّرَ … } [ الفرقان : 62 ] يتمعّن ويتأمل في آيات الله ، في الليل وفي النهار ، كأنه يريد أن يصطاد لله نعماً يشكره عليها ، على خلاف الغافل الذي لا يلتفت إلى شيء من هذا ، فمن فضل الله علينا أن يُنبِّهنا إلى هذه النعم ، ويلفت نظرنا إليها لأننا أهل غفلة . وقوله : { أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } [ الفرقان : 62 ] أي : شكراً ، فهي صيغة مبالغة في الشكر .