Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 61-61)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعود السياق مرة أخرى لذِكْر آية كونية لأن الحق - تبارك وتعالى - يراوح بين آية تطلب منهم شيئاً ، وأخرى تلفتهم إلى قدرة الله وعظمته ، وهذا يدل على مدى تعنتهم ولجاجتهم وعنادهم ، وحرص الحق - سبحانه وتعالى - على لَفْتهم إليه ، والأخْذ بأيديهم إلى ساحته تعالى . ولو شاء سبحانه لَسرَد الآيات الكونية مرة واحدة ، وآيات التكذيب مرة واحدة ، ولكن يُزاوج - سبحانه وتعالى - بين هذه وهذه لتكون العبرة أنفذ إلى قلوب المؤمنين . قلنا : { تَبَارَكَ … } [ الفرقان : 61 ] يعني : تنزّه ، وعَلاّ قدره ، وعَظُم خيره وبركته . والبروج : جمع بُرْج ، وهو الحصن الحصين العالي الذي لا يقتحمه أحد ، والآن يُطلقونها على المباني العالية يقولون : برج المعادي ، برج النيل … الخ ، ومنه قوله تعالى : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } [ البروج : 1 ] . وقوله سبحانة : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ … } [ النساء : 78 ] . والبروج : منازل في السماء يحسب الناسُ بها الأوقات ، ويربطون بينها وبين الحظوظ ، فترى الواحد منهم أول ما يفتح جريدة الصباح ينظر في باب " حظك اليوم " ، وقد دلَّتْ الآيات على أن هذه البروج جعلها الله لتُسهِّل على الناس أمور الحساب . كما قال سبحانه : { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } [ الرحمن : 5 ] . وقال تعالى : { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً … } [ الأنعام : 96 ] . يعني : بها تُحسب المواقيت ، فالشمس تعطيك المواقيت اليومية والليلية ، والقمر يدلُّك على أول كل شهر لأنه يظهر على جِرْم معين ، وكيفية مخصوصة تُوضّح لك أول الشهر ومنتصفه وآخره ، ثم تعطيك الشمس بالظل حساب جزئيات الزمن . ومعلوم أن في السماء اثنيْ عَشَر بُرْجاً جمعها الناظم في قوله : @ حَمَلَ الثَّوْرُ جَوْزةَ السَّرطَانِ وَرَعَى الليْثُ سُنْبُلَ الميزَانِ عَقْرب القَوْس جَدْي دَلْو وحُوت مَا عَرفنَا من أُمَّة السُّرْيَانِ @@ فهي : الحملَ ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت . فأوّلها الحَمل ، وآخرها الحوت ، وكلُّ بُرْج يبدأ من يوم 21 في الشهر وينتهي يوم 20 . ثم يقول تعالى : { وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } [ الفرقان : 61 ] السراج هو المصباح الذي نشعله ليعطي حرارة وضوءاً ذاتياً ، والمراد هنا الشمس لأن ضوءَها ذاتيٌّ منها ، وكذلك حرارتها ، على خلاف القمر الذي يضيء بواسطة الأشعة المنعكسة على سطحه ، فإضاءته غير ذاتية لذلك يقولون عن ضوء القمر : الضوء الحليم لأنه ضوء بلا حرارة . والعجيب أن سطح القمر - كما وجدوه - حجارة ، ولما أخذوا منه حجراً ليُجروا عليه بحوثهم فهلْ قَلَّ ضوء القمر ؟ لا لأن دائرته الكاملة هي التي تعكس إلينا ضوء الشمس وحين تأخذ منه حجراً يعكس لك ما تحته أشعة الشمس . وفي موضع آخر ، يوضح الحق سبحانه هذه المسألة ، فيقول تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً … } [ يونس : 5 ] فالضياء هو الذي يأتي من الكوكب ذاتياً ، والنور هو انعكاس الضوء على جسم آخر ، فهو غير ذاتي . ثم يقول الحق سبحانه : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ … } .