Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 119-119)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقد وردتْ قصة السفينة في الأعراف ، وفي هود ، ولنوح عليه السلام سورة خاصة هي سورة نوح مثل سورة محمد ذلك لأن له في تاريخ الرسالات ألف سنة إلا خمسين عاماً ، ويستحق أنْ يخصَّه الله تعالى بسورة باسمه . لذلك عندما يكرر أحد الناس لك الكلام ، ويُعيده عليك ، تقول له هيَّه سورة ، فكلام العامة والأُميين له أَصْلٌ من استعمال اللغة . وفي موضع آخر ذكر الحق - تبارك وتعالى - قصة صُنْع السفينة في قوله تعالى : { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ … } [ هود : 38 ] وهذا دليل على أنها كانت أول سفينة يصنعها الإنسان ، وقد صنع نوح سفينته بأمر الله ووحيه وتحت عينه تعالى ، وفي رعايته : { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا … } [ هود : 37 ] . وما كان الله تعالى ليُكلِّفه بصُنْع السفينة ثم يتركه ، إنما تابعه ، حتى إذا ما حدث خطأ نبَّهه إليه من البداية ، كما قال تعالى لسيدنا موسى : { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } [ طه : 39 ] . وبمثل هذه الآيات نردُّ على الذين يقولون : إن الله تعالى زاول سلطانه في مُلْكه مرة واحدة فخلق الخَلْق ، ثم ترك القوانين تسيره ، ولو كان الأمر كذلك لوجدنا العالم كله يسير بحركة ميكانيكية ، لكن ظواهر الكون وما فيه من معجزات تدلُّ على قيوميته تعالى على خَلْقه . لذلك يقول لهم : ناموا ملء جفونكم ، فإن لكم رباً لا ينام ، كيف لا وأنت إذا استأجرتَ حارساً لمنزلك مثلاً تنام مطمئناً اعتماداً على أنه يَقِظ ؟ وكيف إذا حرسك ربُّك عز وجل الذي لا تأخذه سِنَة ولا نَوْمٌ ؟ وأَلاَ يدلُّ ذلك على قيوميته تعَالى ؟ هذه القيومية التي تنقضُ العزائم ، وتفسَخ القوانين ، قيومية تقول للنار كوني برداً وسلاماً فتكون ، وتقول للماء : تجمَّد حتى تكون جبلاً فيتجمد ، تقول للحجر : انفلق فينفلق … ولو كان الأمر ميكانيكياً كما يقولون لما حدث هذا ، ولما تخلَّف قانون واحد من قوانين الكون . والمشحون : الذي امتلأ ، ولم يَبْقَ به مكان خَالٍ ، فكانت السفينة مشحونة بما حمل فيها ، لأنها صُنِعَتْ بحساب دقيق ، لا يتسع إلا لمن كُلِّف نوح بحملهم في سفينته ، وكانوا ثمانين رجلاً وثمانين امرأة ومن كل حيوان زوجين اثنين . والفلك المشحون يُطلَق ويُراد به الواحدة ، ويُطلَق ويراد به الجماعة كما في قوله سبحانه : { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم … } [ يونس : 22 ] .