Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 117-118)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تأمل هنا أدب نوح - عليه السلام - حين يشكو قومه إلى الله ويرفع إليه ما حدث منهم ، كل ما قاله : { إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } [ الشعراء : 117 ] ولم يذكر شيئاً عن التهديد له بالرجم ، وإعلان الحرب على دعوته ، لماذا ؟ لأن ما يهمه في المقام الأول أن يُصدِّقه قومه ، فهذا هو الأصل في دعوته . وقوله : { فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً … } [ الشعراء : 118 ] الفتح في الشيء إما : حسياً وإما معنوياً ، فمثلاً الباب المغلَق بقُفْل نقول : نفتح الباب : أي نزيل أغلاقه . فإنْ كان الشيء مربوطاً نزيل الأشكال ونفكّ الأربطة . ومن ذلك قوله تعالى في قصة يوسف : { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ … } [ يوسف : 65 ] أي : أزالوا الرباط عن متاعهم ، هذا هو الفتح الحسِّيّ . أما الفتح المعنوي فنُزيل الأغلاق والأشكال المعنوية ليأتي الخير وتأتي البركة ، كما في قوله سبحانه : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ … } [ الأعراف : 96 ] . وفي آية أخرى : { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ … } [ فاطر : 2 ] . والخير الذي يفتح الله به على الناس قد يكون خيراً مادياً ، وقد يكون عِلْماً ، كما في قوله تعالى : { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ … } [ البقرة : 76 ] . أي : من العلم في التوراة ، يخافون أن يأخذه المؤمنون ، ويجعلوه حجة على أهل التوراة إذا ما كان لهم الفتح والغَلَبة ، فمعنى : { بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ … } [ البقرة : 76 ] أي : بما علَّمكم من علم لم يعلموه هم . وقد يكون الفتح بمعنى الحكم ، مثل قوله سبحانه : { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [ الأعراف : 89 ] . ويكون الفتح بمعنى النصر ، كما في قوله تعالى : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [ النصر : 1 ] . ثم يقول نوح عليه السلام : { وَنَجِّنِي … } [ الشعراء : 118 ] من كيدهم وما يُهدِّدونني به من الرَّجْم { وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 118 ] لأن الإيذاء قد يتعدّاه إلى المؤمنين معه ، وتأتي الإجابة سريعة : { فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ … } .