Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 139-139)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكانت السماء قبل محمد صلى الله عليه وسلم تجعل الرسول يُدلِي بمعجزته ، أو يقول بمنهجه ، لكن لا تطلب منه أن يُؤدِّب المعاندين والمعارضين له إنما تتولّى السماء عنه هذه المهمة فتُوقِع بالمكذبين عذابَ الاستئصال . وقد أُمِنَتْ أمة محمد صلى الله عليه وسلم من عذاب الاستئصال ، فمَنْ كفر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم لا يأخذه الله كما أخذ المكذِّبين من الأمم السابقة ، إنما يقول سبحانه : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ … } [ التوبة : 14 ] . وكلمة { فَأَهْلَكْنَاهُمْ … } [ الشعراء : 139 ] كلمة صادقة ، لها دليل في الوجود نراه شاخصاً ، كما يقول الحق سبحانه : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } [ الفجر : 6 - 8 ] . نعم ، كانت لهم حضارة بلغتْ القمة ، ولم يكُنْ لها مثيل ، ومع هذا كله ما استطاعت أنْ تصون نفسها ، وأخذها الله أَخْذ عزيز مقتدر . قال تعالى : { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الصافات : 137 - 138 ] . وقال : { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ … } [ النمل : 52 ] . أي : أنها شاخصة أمامكم تروْنها وتمرُّون عليها ، وأنتم لم تبلغوا مبلغَ هذه الحضارة ، فإذا كانت حضارتهم لم تمنعهم من أَخْذ الله العزيز المقتدر ، فينبغي عليكم أنْ تتنبهوا إلى أنكم أضعف منهم ، وأن ما حاق بالكافرين وما نزل بالمكذِّبين ليس ببعيد عن أمثالهم من الأمم الأخرى . لذلك تجد الحضارات التي تُتوَارث في الكون كلها آلتْ إلى زوال ، ولم نجد منها حضارة بقيتْ من البداية إلى النهاية ، ولو بُنِيَتْ هذه الحضارات على قيم ثابتة لكان فيها المناعة ضد الزوال . وقوله تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً … } [ الشعراء : 139 ] أي : في إهلاك هذه الحضارة لأمر عظيم ، يُلفِت الأنظار ، ويدعو للتأمل : { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 139 ] .