Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 140-140)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال { رَبَّكَ … } [ الشعراء : 140 ] ولم يقُلْ ربهم لأن منزلة المربِّي تعظم في التربية بمقدار كمال المربَّى ، فكأنه تعالى يقول : أنا ربُّك الذي أكملت تربيتك على أحسن حال ، فَمنْ أراد أنْ يرى قدرة الربوبية فليرها في تربيتك أنت ، والمربَّى يبلغ القمة في التربية إنْ كان مَنْ ربَّاه عظيماً . لذلك يقول صلى الله عليه وسلم : " أدَّبني ربي فأحسن تأديبي " . إذن : فمن عظمة الحق - تبارك وتعالى - أنْ يُعطي نموذجاً لدقّة تربيته تعالى ولعظمة تكوينه ، ولما يصنعه على عَيْنه تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فكأنه صلى الله عليه وسلم أكرمُ مخلوق مُربَّى في الأرض لذلك قال { رَبَّكَ … } [ الشعراء : 140 ] ولم يقل : ربهم مع أن الكلام ما يزال مُتعلقاً بهم . وقوله تعالى : { لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } [ الشعراء : 140 ] العزيز قلنا : هو الذي يَغْلِب ولا يُغْلَب ، لكن لا تظن أن في هذه الصفة جبروتاً لأنه تعالى أيضاً رحيم ، ومن عظمة الأسلوب القرآني أن يجمع بين هاتين الصفتين : عزيز ورحيم وكأنه يشير لنا إلى مبدأ إسلامي يُربِّي الإسلام عليه أتباعه ، ألا وهو الاعتدال فلا تطغى عليك خصلة أو طبْع أو خُلُق ، والزم الوسط لأن كل طبْع في الإنسان له مهمة . وتأمل قول الله تعالى في صفات المؤمنين : { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ … } [ المائدة : 54 ] . فالمسلم ليس مجبولاً على الذلّة ولا على العزة ، إنما الموقف هو الذي يجعله ذليلاً ، أو يجعله عزيزاً ، فالمؤمن يتصف بالذلّة والخضوع للمؤمنين ، ويتصف بالعزّة على الكافرين . ومن ذلك أيضاً : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ … } [ الفتح : 29 ] . ومعلوم أن الرحمة في غير موضعها ضَعْف وخَوَر ، فمثلاً الوالد الذي يرفض أن يُجري لولده جراحة خطرة فيها نجاته وسلامته خوفاً عليه ، نقول له : إنها رحمة حمقاء وعطف في غير محلّه . ثم يقول الحق سبحانه : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ … } .