Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 152-152)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فوصف المسرفين بأنهم مفسدون في الأرض غير مصلحين ، كأن الأرض خلقها الخالق - عز وجل - على هيئة الصلاح في كل شيء ، لكن يفسدها الإنسان بتدخّله في أمورها لذلك سبق أن قلنا : إنك لو نظرتَ إلى الكون من حولك لوجدته على أحسن حال ، وفي منتهى الاستقامة ، طالما لا تتناوله يد الإنسان ، فإنْ تدخّل الإنسان في شيء ظهرتْ فيه علامات الفساد . ولا يعني هذا ألاَّ يتدخل الإنسان في الكون ، لا إنما يتدخل على منهج مَنْ خَلقَ فيزيد الصالح صلاحاً ، أو على الأقل يتركه على صلاحه لا يفسده ، فإن تدخَّل على غير هذا المنهج فلا بُدَّ له أن يفسد . فحين تمر مثلاً ببئر ماء يشرب منه الناس ، فإما أنْ تُصلح من حاله وتزيده ميزة وتُيسِّر استخدامه على الناس ، كأن تبني له حافّة ، أو تجعل عليه آلة رَفْع تساعد الناس ، أو على الأقل تتركه على حاله لا تفسده لذلك يقول تعالى : { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } [ البقرة : 205 ] . أما هؤلاء القوم فلم يكتَفِ القرآن بوصفهم بالفساد وحسب ، إنما أيضاً هم { وَلاَ يُصْلِحُونَ } [ الشعراء : 152 ] ذلك لأن الإنسان قد يُفسِد في شيء ، ويُصلح في شيء ، إنما هؤلاء دأبهم الفساد ، ولا يأتي منهم الصلاح أبداً . ونكبة الوجود من الذين يصنعون أشياء يروْنها في ظاهرها صلاحاً ، وهي عَيْن الفساد لأنهم لم يأخذوها بكل تقنيناتها القيمية ، وانظر مثلاً إلى المبيدات الحشرية التي ابتكروها وقالوا : إنها فتح علمي ، وسيكون لها دور كبير في القضاء على دودة القطن وآفات الزرع ، وبمرور الزمن أصبحت هذه المبيدات وبالاً على البشرية كلها ، كيث تسمَّم الزرع وتسمَّم الحيوان ، وبالتالي الإنسان ، حتى الماء والتُّرْبة والطيور ، لدرجة أنك تستطيع القول أنها أفسدت الطبيعة التي خلقها الله . وفي هؤلاء قال تعالى : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [ الكهف : 103 - 104 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ … } .