Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 184-184)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فإياك أن تظن أن الله تعالى خلقنا عبثاً ، أو يتركنا هملاً ، إنما خلقنا لمهمة في الكون ، وجعلنا جميعاً عبيداً بالنسبة له سواء ، فلم يُحَابِ من أحداً على أحد ، وليس عنده سبحانه مراكز قوى لذلك لم يتخذ صاحبه ولا ولداً . ولأننا جميعاً أمامه سبحانه سواء وهو خالقنا ، فقد تكفّل لنا بالرزق ورعاية المصالح ، فَمنِ ابتلاه الله بالعجز عن الحركة فتحركْتَ أنت لقضاء مصالحه ، لا بُدَّ أن ينظر الله إليك بعين البركة والمضاعفة . فالمعوَّق والفقير بحقٍّ - لا الذي يتخذها مهنة وحرفة يرتزق بها - هذا الفقير وهذا المعوَّق هم خَلْق الله وأهل بلائه ، فحين تعطيه من ثمرة حركتك أنت ، وتذهب إليه وهو مطمئن في بيته ، أنت بهذا العمل إنما تستر على الله بلاءه ، وتكون يد الله التي يرزق بها هؤلاء ، وعندها لا بُدَّ أن يحبك الفقير ، وأنْ يدعو لك بالخير والبركة والزيادة والأَجْر والعافية والثواب ، ويعلم أن الله خلقه ولم يُسلمه . أمّا إنْ ضَنَّ الغنيُّ الواجد على الفقير المعدَم ، وتخلى عن أهل البلاء ، فلا بُدَّ أنْ يسخط الفقير على الغني ، بل يسخط على الله - والعياذ بالله - لأنه ما ذنبه أن يكون فقيراً ، وغيره غنيٌّ في مجتمع لا يرحم . وعجيب أن نرى مُبتلىً يُظهر بلواه للناس ، بل ويستغلها في ابتزازهم ، فيُظهِر لهم إعاقته ، كأنه يشكو الخالق للخَلْق ، ولو أنه ستر على الله بلاءه وعَلِم أنه نعمة أنعم الله بها عليه لَسخَّر الله له عافية غير المبتلى ، ولجاءه رزقه على باب بيته ، فلو رَضِي أهل البلاء لأعطاهم الله على قَدْر ما ابتلاهم . فمعنى : { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ … } [ الشعراء : 184 ] أي : احذروا جبروته لأنه خلقكم ، وضمن لكم الأرزاق ، وضمن لكم قضاء الحاجات ، حتى العاجز عن الحركة سخَّر له القادر ، وجعل للغنى شرطاً في إيمانه أنْ يُعطى جزءاً من سَعْيه للفقير ، ويُوصِّله إليه وهو مطمئن . ومعنى : { وَٱلْجِبِلَّةَ ٱلأَوَّلِينَ } [ الشعراء : 184 ] الجبلة من الجبَل ، وكان له دور في حياة العربي ، وعليه تدور الكثير من تعبيراتهم ، ففيه صفات الفخامة والعظمة والرسوخ والثبات ، فاشتقوا من الجبل الجبلّة وتعني الملازمة والثبات على الشيء . ومن ذلك نقول : فلان مجبول على الخير يعني : ملازم له لا يفارقه ، وفلان كالجبل لا تزحزحه الأحداث ، والعامة تقول : فلان جِبلَّة يعني : ثقيل على النفس ، وقد يزيد فيقول : مال جبلّتك وارمة مبالغة في الوصف . حتى أن بعض الشعراء يمدح ممدوحه بأنه ثابت كالجبل ، حتى بعد موته ، فيقول عن ممدوحه وقد حملوه في نعشه : @ مَا كنتُ أَحْسَبُ قَبْل نَعْشِكَ أنْ أَرَى رَضْوى عَلَى أيدي الرجَالِ يَسِير @@ ورَضْوى جبل اشْتُهر بين العرب بضخامته . ومن ذلك قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً … } [ يس : 62 ] . ومعنى : { وَٱلْجِبِلَّةَ ٱلأَوَّلِينَ } [ الشعراء : 184 ] أي : الناس السابقين الذين جُبِلوا على العناد وتكذيب الرسُل ، فالله خلقكم وخلقهم ، وقد رأيتُم ما فعل الله بهم لما كذَّبوا رسُله ، لقد كتب الله النصر لرسله والهزيمة لمن كذّبهم ، فهؤلاء الذين سبقوكم من الأمم جُبِلوا على التكذيب ، وكانوا ثابتين عليه لم يُزحزحهم عن التكذيب شيء ، فاحذروا أن تكونوا مثلهم فينزل بكم ما نزل بهم . فماذا كان ردّهم ؟