Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 45-45)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولم يَأْت إلقاء موسى عليه السلام لعصاه مباشرة بعد أن ألقى السحرة ، إنما هنا أحداث ذُكِرتْ في آيات أخرى ، وفي لقطات أخرى للقصة ، يقول تعالى : { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } [ طه : 66 ] . { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ * قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ … } [ طه : 67ـ69 ] . هكذا كانت الصورة ، فلما خاف موسى ثبَّته ربه ، وأيّده بالحق وبالحجة ، وتابعه فيما يفعل لحظةً بلحظة ليوجهه وليُعدِّل سلوكه ، ويشدّ على قلبه ، وما كان الحق - تبارك وتعالى - ليرسله ثم يتخلى عنه ، وقد قال له ربه قبل ذلك : { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } [ طه : 39 ] وقال : { إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [ طه : 46 ] فالحق سبحانه يعطي نبيه موسى الأوامر ، ويعطيه الحجة لتنفيذها ، ثم يتابعه بعنايته ورعايته . ومن ذلك قوله تعالى لنبيه نوح : { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا … } [ هود : 37 ] . فحينما تجمع هذه اللقطات تجدها تستوعب الحدث ، ويُكمّل بعضها بعضاً ، وهذا يظنه البعض تكراراً ، وليس هو كذلك . إذن : جاء إلقاء موسى لعصاه بعد توجيه جديد من الله أثناء المعركة : { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ … } [ طه : 69 ] وهنا : { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } [ الشعراء : 45 ] ومعنى { تَلْقَفُ … } [ الشعراء : 45 ] تبتلع وتلتهم في سرعة وقوة ، أما السرعة واختصار الزمن والقوة ، فتدل على الأخذ بشدة وعُنْف ، وفي هذا دليل على أنه خاض المعركة بقوة ، فلم تضعف قوته لما رأى من ألاعيب السَّحَرة . ومعنى { مَا يَأْفِكُونَ } [ الشعراء : 45 ] من الإفك يعني : قلْب الحقائق لذلك سَمَّوْا الكذب إفْكاً لأنه يقلب الحقيقة ويُغير الواقع . ومنها { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } [ النجم : 53 ] وهي القرى الظالمة التي أهلكها الله ، فجعل عاليها سافلها . وسبق أن أوضحنا أن الكذب وقَلْب الحقائق يأتي من أنك حين تتكلم ، فللكلام نِسَبٌ ثلاث : نسبة في الذِّهْن ، ونسبة على اللسان ، ونسبة في الواقع . فإنْ طابقتْ النسبةُ الكلامية الواقع ، فأنت صادق ، وإنْ خالفتْه فأنت كاذب . وسَمَّى ما يفعله السحرة إفكاً لأنهم يُغيِّرون الحقيقة ، ويُخيِّلون للناس غيرها .