Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 4-4)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والآية هنا ليست آيةَ إقناع للعقول ، إنما آية تُرْغمهم وتُخضع رقابهم ، وتُخضع البنية والقالب ، وهذا ليس كلاماً نظرياً يُقال للمكذبين ، إنما حقائق وقعتْ بالفعل في بني إسرائيل . واقرأ إنْ شئت قوله تعالى : { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ … } [ الأعراف : 171 ] . فأخذوا ما آتيناهم بقوة ، لماذا ؟ بالآية التي أرغمتهم وأخضعتْ قوالبهم ، لكن الحق - تبارك وتعالى - كما قلنا - لا يريد بالإيمان أنْ يُخضع القوالب ، إنما يريد أن يُخضع القلوب باليقين والاتباع . فلو شاء ربك لآمن مَنْ في الأرض كلهم جميعاً ، لا يتخلف منهم أحد ، بدليل أنه سبحانه خلق الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، وبدليل أنه سبحانه بعث رسلاً وعصمهم ، ولم يجعل للشيطان سبيلاً عليهم ، وبدليل أن الشيطان بعد أن تعهّد أن يُغوي بني آدم ليكونوا معه سواء في المعصية قال له : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ … } [ الحجر : 42 ] . والشيطان نفسه يقول : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ ص : 82 - 83 ] . إذن لو أراد سبحانه لجعلَ الناس جميعاً مؤمنين وما عَزَّ عليه ذلك ، لكنه أراد سبحانه أن يكون الإيمان باختيار المؤمن ، فيأتي ربه طواعية مختاراً . حتى في أمور الدنيا وأهلها ، قد ترى جباراً يضرب الناس ، ويُخضعِهم لأمره ونهيه ، فيطيعونه طاعةَ قوالب ، إنما أيستطيع أنْ يُخضِع بجبروته قلوبهم ؟ ! وقال : { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 4 ] خَصَّ الأعناق لأنها مظهر الخضوع ، فأول الخضوع أنْ تلوى الأعناق ، أو الأعناق تُطلَق عند العرب على وجوه القوم وأعيانهم لذلك يقولون في التهديد : هذه مسألة تضيع فيها رقاب . والمراد : الرقاب الكبيرة ذات الشأن ، لا رقاب لمامة القوم ، والضعفاء ، أو العاجزين . ومثلها كلمة صدور القوم يعني : أعيانهم والمقدَّمين منهم الذين يملأون العيون . والمعنى : فأنت لا تُخضِع الناس لأني لو أردتُ أنْ أُخضعهم لأخضعتُهم لذلك يقول تعالى في آية آخرى : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ يونس : 99 ] . فإذا كان ربك لا يُكرِه الناسَ على الإيمان ، أفتُكرههم أنت ؟ ولماذا الإكراه في دين الله ؟ إن الحق - تبارك وتعالى - يوالي تنزيل القرآن عليهم - آية بعد آية - فلعل نجماً من نجومه يصادف فراغاً ، وقلباً صافياً من الموجدة على رسول الله فيؤمن . لكن هيهات لمثل هؤلاء الذين طُبِعوا على اللدد والعناد والجحود أن يؤمنوا لذلك يقول الله عنهم : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً … } [ النمل : 14 ] . وقال عنهم : { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ … } .