Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 78-80)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كأن الحق - تبارك وتعالى - يقول لهم : يا أغبياء ، اعلموا أن للعبادة أسباباً وحيثيات . ويوضح إبراهيم عليه السلام حيثيات عبادة ربه - عزَّ وجل - فيقول : { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } [ الشعراء : 78 ] أي : خلقني من عدم ، وأمدَّني من عُدْم ، وجعل لي قانون صيانة يحفظ حياتي ، ويضمن سلامتي حين كلَّفني بشرعه : افعل كذا ولا تفعل كذا ، وهو سبحانه لا ينتفع بشيء من هذا ، بل النفع يعود علينا نحن ، وهل فعلتْ الأصنام لكم شيئاً من هذا ؟ إذن : فهو وحده المستحق للعبادة . وقوله سبحانه { فَهُوَ يَهْدِينِ } [ الشعراء : 78 ] أي : بقانون الصيانة الذي يشبه الكتالوج الذي يجعله البشر لصناعتهم ليضمنوا سلامتها وأدائها لمهمتها على أكمل وجه ، ولا بُدَّ أن يحدِّد لها المهمة قبل أنْ يَشرَع في صناعتها ، وهل رأينا آلةَ صنعها صاحبها ، ثم قال لنا : انظروا في أيِّ شيء تستخدم هذه ، بوتاجاز أو ثلاجة مثلاً ؟ فإذا ما حدث خلل في هذه الآلة ، فعليك بالنظر في هذا الكتالوج أو أن تذهب بها إلى المهندس المختص بها لذلك إذا أردتَ أن تأخذ قانون صيانتك ، فلا تأخذه إلا من صانعك وخالقك - عز وجل - ولا يجوز أن يخلق الله تعالى وتضع أنت لخِلْقة الله قانون صيانتها ، فهذا مِثْل : أن تقول للجزار مثلاً : اعمل لي قانون صيانة التلفزيون . ثم يذكر بعد ذلك مُقوِّمات استبقاء الحياة ، فيقول : { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 79 - 80 ] . ونقف هنا عند الضمير المنفصل هو الذي جاء للتوكيد ، والتوكيد لا يأتي ابتداءً ، إنما يكون على درجات الإنكار ، وقد أكّد الحق - تبارك وتعالى - نسبة الهداية والإطعام والسُّقْيا والشفاء إليه تعالى لأن هذه المسائل الأربع قد يدعيها غيره تعالى ، وقد يظن البعض أن الطبيب هو الشافي أو أن الأب مثلاً هو الرازق لأنه الجالب له والمناول . والهداية قد يدّعيها واضعوا القوانين من البشر ، وقد رأينا الشيوعية والرأسمالية والوجودية والبعثية وغيرها ، وكلها تدّعي أنها لصالح البشر ، وأنها طريق هدايتهم لذلك أكد الله تعالى لنفسه هذه المسألة { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } [ الشعراء : 78 ] فالهداية لا تكون إلا من الله ، وفي شِرْعته تعالى . وقد تسأل في قوله تعالى : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] ولماذا نذهب إلى الطبيب إذن ؟ نقول : الطبيب يعالج ، وهو سبب للشفاء ، أمّا الشفاء فمن الله ، بدليل أن الطبيب ربما يمرض ، ويعجز هو عن شفاء نفسه ، وقد يعطي المريض حقنة ويكون فيها حَتْفه . وحين نُعرب : { مَرِضْتُ … } [ الشعراء : 80 ] نقول : مرض فعل ماضٍ والتاء فاعل ، فهل أنا الذي فعلتُ المرض ؟ وهذا مِثْل أن نقول : مات فلان ، ففلان فاعل مع أنه لم يحدث الموت لذلك يجب أن نتنبه إلى أن الفاعل يعني مَنْ فعل الفعل ، أو اتصف به ، والفاعل هنا لم يفعل الفعل وإنما اتصف به . وقال { مَرِضْتُ … } [ الشعراء : 80 ] تأدباً مع الله تعالى ، فلم يقل : أمرضني ونسب المرض الظاهر إلى نفسه . أما في المسائل التي لا يدَّعيها أحد ، فتأتي بالفعل دون توكيد ، كما في الآية بعدها : { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي … } .