Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 7-7)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لَمَّا لم يفلح الذكر المُحْدث والآيات المتجددة مع هؤلاء المعاندين فلم يَرْعَوُوا . ردَّهم الله تعالى إلى الآيات الكونية الظاهرة لهم والتي سبقتهم في الوجود ، آيات في السماء : الشمس والقمر والنجوم ، وآيات في الأرض : البحار والقفار والجبال والنبات والحيوان . وكلها آيات كونية لم يدَّعها أحد منهم ، بل جاء الإنسان إلى الوجود وطرأ عليها ، وقد سبقتْه هذه الآيات التي يراها : الكبير والصغير ، والرجل والمرأة ، والعاقل وغير العاقل ، أَلاَ ينظرون فيها نظرةَ اعتبار ، فيسألون عن مبدعها ؟ ضربنا لذلك مثلاً بالإنسان الذي انقطعتْ به السُّبُل في صحراء جرداء حتى أشرف على الهلاك ، فأخذته سِنَة فنام ، ولما استيقظ وجد في هذا المكان المنقطع مائدةً ، عليها أطايب الطعام والشراب ، أَلا ينبغي عليه قبل أنْ تمتدَّ يده إلى هذا الطعام أن يسأل نفسه من الذي أعده له ؟ كذلك الإنسان طرأ على كوْن مُعَدٍّ لاستقباله ، وعلى وجود لا تتناوله قدرته ، ولا سلطانَ له عليه ، فهو لا يتناول الشمس مثلاً ليُوقِدها ولم يدَّعِ هذه الآيات الكونية أحد ، أَلاَ يدلّ ذلك على الخالق - عزَ وجل - ويُوجِب علينا الإيمان به ؟ لذلك يقول سبحانه { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ … } [ لقمان : 25 ] . وقال : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ … } [ الزخرف : 87 ] . ولو تأمل الإنسان في اللمبة الصغيرة التي تضيء غرفة ، ولها عمر افتراضي لا يتعدَّى عدة أشهر وهي عُرْضَة للكسر وللأعطال ، ومع ذلك تكاتف في صناعتها فريق من المهندسين والعمال والفنيين ، وكثير من الآلات والعِدَد ، ومع ذلك نُؤرِّخ لمخترع المصباح ، ونعرف تاريخه ، وكيفية صنعه … الخ . نعرف مخترع التلفون والراديو و … أليس من الأَوْلَى أن ننظر ونتأمل في خَلْق الشمس ، هذا الكوكب العظيم الذي يضيء الدنيا كلها ، دون وقود ، أو قطعة غيار ، أو عُطْل طِوَال هذه المدَد المتعاقبة ؟ فإذا ما جاء رسول ، وقطع على الناس هذه الغفلة ، وقال لهم : أَلاَ أُنبّئكم بمَنْ خلق كل هذا ؟ إنه الله . كان يجب عليهم أنْ يُعيروه آذانهم ويؤمنوا . هنا يقول تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ … } [ الشعراء : 7 ] وهي آية ظاهرة أمام أعينهم ، يروْنَها هامدة جرداء مُقْفرة ، فإذا نزل عليها الماء أحياها الله بالنبات ، ألم ينظروا إلى الجبال والصحراء بعد نزول المطر ، وكيف تكتسي ثوباً بديعاً من النبات بعد فَصْل الشتاء . ألم يسألوا أنفسهم : مَنْ نقل هذه البذور وبذرها في الجبال لذلك يقول سبحانه في موضع آخر : { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [ الحج : 5 ] . وقوله تعالى هنا : { كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } [ الشعراء : 7 ] كم : خبرية تفيد الكثرة ، جاءت بصيغة الاستفهام للتقرير ، كما تقول لصاحبك : كم أحسنتُ إليك ، بدل أنْ تُعدِّد مظاهر إحسانك إليه ، فتسأله لأنك واثق أن الإجابة في صالحك ، فالكلام بالإخبار دَعْوى منك ، لكن الإجابة على سؤال إقرار منه . فالمعنى : أن نبات الأرض كثير يفوق الحصر . والزوج : الصنف ، والزوج أيضاً الذكر أو الأنثى ، والبعض من العامة يظن أن الزوج يعني الاثنين وهذا خطأ ، فالزوج واحد معه مثله ، كما في قوله سبحانه : { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ … } [ الأنعام : 143 - 144 ] . فهذه أربعة أصناف ، فيها ثمانية أزواج ، فالزوج فرد واحد معه مثله ، فلا تقول زوج أحذية . بل زَوْجَا أحذية . والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ النجم : 45 ] . وكذلك النبات لا بُدَّ فيه من ذكورة وأنوثة ، وإنْ كانت غير واضحة فيه كله كما هي واضحة مثلاً في النخل ، ففيه ذكر نُلقِّح منه الأنثى لتثمر ، وكذلك شجرة الجميز منها ذكر وأنثى . لكن لم نَرَ ذكورة وأنوثة في الجوافة مثلاً أو في الليمون ، لماذا ؟ قالوا : مرة توجد الذكورة والأنوثة في الشيء الواحد كعود الذرة مثلاً ، قبل أنْ يُخرِج ثمرته تخرج سنبلة في أعلاه تحمل لقاح الذكورة ، وحينما يهزها الريح يقع اللقاح على شُرَابة كوز الذرة ، وتتم عملية التلقيح . وقد تكون الذكورة والأنوثة في شيء لا تعرفه أنت كالمانجو والتفاح مثلاً ، فلم نعلم لها ذكراً وأنثى . لكن الحق تعالى قال : { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ … } [ الحجر : 22 ] . وقال : { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ … } [ الذاريات : 49 ] . ثم وصف الزوج بأنه { كَرِيمٍ } [ الشعراء : 7 ] فماذا يعني الكرم هنا ؟ قالوا : لأنك إذا أخذتَ الثمرة الواحدة ونظرت وتأملتَ فيها لوجدتَ لها صفات متعددة ونِعَماً كثيرة ، كما قال سبحانه : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا … } [ إبراهيم : 34 ] وهي نعمة واحدة بصيغة المفرد ولم يقل نعم الله . قالوا : لأن الحق - عزّ وجلَّ - يريد أن يلفتنا إلى أن كل نعمة واحدة لو استقصيتَ عناصرها وتكوينها لوجدتَ في طياتها نِعَماً لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى . فمعنى { كَرِيمٍ } [ الشعراء : 7 ] يعني : كثير العطاء وكثير الخيرات .